﴿وثمودُ﴾ وهم قوم صالح، ﴿وقومُ لوط﴾ كذَّبوا لوطاً، ﴿وأصحابُ الأيكةِ﴾ ؛ أصحاب الغيضة كذَّبوا شُعيباً عليه السلام، ﴿أولئك الأحزابُ﴾ : بدلٌ من الطوائف المذكورة. وفيه فضل تأكيد وتمهيد لما يعقبه، وأراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هؤلاء الطوائف، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب، ولذلك قال :
﴿إِن كلٌّ إِلا كذَّب الرسلَ﴾ أي : ما كل أحد من آحاد أولئك الأحزاب، أو : ما كل حزب منهم إلا كذّب الرسل ؛ لأن تكذيب واحد منهم تكذيب لجميعهم ؛ لاتفاق الكل على الحق، أو : ما كل حزب إلا كذَّب رسوله، على نهج مقابل الجمع بالجمع. وأيًّا ما كان فالاستثناء مفرغ من أعم [العلل] في خبر المبتدأ، أي : ما كل أحد منهم محكوم عليه بحكم إلا أنه كذب الرسل، ﴿فحقَّ عقاب﴾ أي : فوجب لذلك أن أُعاقبهم حق العقاب، التي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات.
﴿وما ينظر هؤلاء﴾ أي : وما ينتظر أهل مكة. وفي الإشارة إليهم بهؤلاء ؛ تحقير لشأنهم، وتهوين لأمرهم، أي : وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المهلكة في الكفر والتكذيب، ﴿إِلا صيحةً واحدة﴾ وهي النفخة الثانية ؛ لما فيها من الشدة والهول، فإنها داهية، يعم هولها جميع الأمم، برَّها وفاجرها. والمعنى : أنه ليس بينهم وبين حلول ما أعدّ الله لهم من العقاب إلا نفخة البعث، أُخرت عقوبتهم إلى الآخرة ؛ لأن حلولها بهم في الدنيا يوجب الاستئصال، وقد قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال : ٣٣] فأخرت ليوم القيامة. وأما ما قيل من أنها النفخة الأولى فمما لا وجه له ؛ لأنه لا يشاهد هولَها، ولا يصعَق بها إلا مَن كان حيًّا عند وقوعها. قاله أبو السعود.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٥


الصفحة التالية
Icon