﴿اصْبِرْ على ما يقولون﴾ من أمثال هذه المقالات الباطلة. ثم سلاّه بما يقص عليه من خبر الأنبياء ـ عليهم السلام ـ الذين كانت بدايتهم أيام المحن، ثم جاءتهم أيام المنن، وبدأ بنبيه داود عليه السلام، فقال :﴿واذكر عبدَنا داودَ﴾، فإنه كان في أول أمره ضعيفاً، يرعى الغنم، ثم صار نبيّاً مَلِكاً، ذا الأيادي العظام. وقوله :﴿ذَا الأيدِ﴾ أي : ذا القوة في الدين، والملكَ، والنبوة. يقال : فلان ذو يد وأيد وأياد، بمعنى القوة، وأياد كل شيء : ما يتقوّى به. ﴿إِنه أوَّابٌ﴾ : رجّاع إلى الله في كل شيء، أو : إلى مرضاة الله تعالى. وهو يوماً، وهو أشدُّ الصوم، ويقومُ نصفَ الليل، مع مكابدة سياسة النبوة والمُلك والشهود، فقد أعطى القوة في الجهتين.
﴿إِنا سخَّرنا الجبالَ معه﴾ أي : ذللناها له، تسير معه حيث يريد. ولم يقل " له " ؛ لأن تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق التفويض الكلي، كتسخير الرياح وغيرها لابنه، بل بطريق التبعية، والاقتداء به في عبادة الله تعالى. وقيل :﴿معه﴾ متعلق بـ ﴿يُسَبّحْن﴾، أي : سخرناها تُسبِّح معه، إما بلسان المقال، يخلق الله لها صوتاً، أو : بلسان الحال، أي : يقدس الله تعالى ويُنزهه عما لا يليق به. والجملة : حال، أي : مسبِّحات، واختيار الفعل ليدل على حدوث التسبيح من الجبال، وتجدُّده شيئاً بعد شيء، وحالاً بعد حال، ﴿بالعَشِيّ﴾ في طرفي النهار، والعشيّ : وقت العصر إلى الليل ﴿والإِشراقِ﴾، وهو حين تُشرق الشمس، أي : تضيء، وهو وقت الضحى، وأما شروقها ـ الثلاثي ؛ فطلوعها، تقول : شرقت الشمس ولمّا تَشرق، أي : طلعت ولم تضيء. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية. وعنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه صلّى عند أم هانىء صلاة الضحى، وقال :" هذه صلاة الإشراق ". ﴿والطيرَ محشورةً﴾ أي : وسخّرنا الطير مجموعة من كل ناحية. عن ابن عباس
٢٠٧