قال القشيري : ويُقال : لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسأل المُلْك، بل يجب أن يَكِلَ أمرَه إلى الله ـ ومثله للجنيد، وزاد : فإن المُلْكَ شُغل عن المالك ـ أو يقال : لا ينبغي لأحدٍ من بعدي من الملوك، لا من الأنبياء، وإنما سأل المُلكَ لسياسة الناس، وإنصافِ بعضهم من بعض، والقيام بحقِّ الله، ولم يسأله لأجل مَيْلِه إلى الدنيا. وهو كما قال يوسف عليه السلام :﴿اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ...﴾ [يوسف : ٥٥]. ثم قال : عَلِمَ أن نبينا عليه الصلاة والسلام لا يلاحِظَ الدنيا، ولا يملكها، تحقيراً لها فقال :﴿لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ لا لأنه بَخِلَ به عليه، ولكن لِعِلْمِه أنه لا ينظر إلى ذلك. هـ. هذا، وقد يُقال : إن قوله :﴿وهب لي مُلْكاً﴾ قد جرى على لسانه، كما هو حال النطق بالله من أهل الله، ولذلك كان الأمر كذلك، ولم يزاحمه أحد، كقول الخليل :﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً﴾ [البقرة : ١٢٩]، لما جرى به القضاء أنطقه الله بما سيكون. وتقديم الاستغفار على الاستيهاب ؛ لمزيد اهتمامه بأمر الدين، جرياً على سنَن الأنبياء والصالحين، وكون ذلك أدخل في الإجابة.
﴿إِنك أنت الوهابُ﴾ ؛ تعليل للدعاء بالهبة والمغفرة معاً، فإن المغفرة من أحكام وصف الوهَّابية قطعاً، ﴿فسخَّرنا له الريحَ﴾ ؛ فذللناها لطاعته، إجابة لدعوته، فعاد أمره عليه السلام إلى ما كان عليه قبل الفتنة، قيل : فتن سليمان بعدما ملك عشرين، وملك بعد الفتنة عشرين، فسخرت له الريح ﴿تجري بأمره﴾ ؛ بيان لتسخيرها، ﴿رُخَاءً﴾ أي : لينة، من الرخاوة، أو : طيبة لا تزعج، وهذا بعد أن تُقِلّ السرير من الأرض الإعصارُ، فإذا صار في الهواء حملته الرخاء الطيبة، ﴿حيث أصابَ﴾ أي : قصد وشاء، بلغة حمير. تقول العرب : أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي : أراد الصواب فأخطأ. قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٩
أصَابَ الْكَلاَمَ فَلَمْ يَستَطِعْ


الصفحة التالية
Icon