﴿هذا عطاؤنا﴾، هو حكاية لما خُوطب به سليمان من قِبَل الحق تعالى، أي : وقلنا له هذا الذي أعطيناك من المُلك العظيم، والسلطنة، والتسلُّط على ما لم يُسلط عليه غيرُك، هو عطاؤنا الخاص بك، ﴿فامْنُنْ أو أَمْسِكْ﴾ أي : أعطِ مَن شئت، وامنع مَن شئت، ﴿بغير حسابٍ﴾ أي : غير محاسَب على منِّه ومنعه لتفويض التصرُّف فيه إليك، فكان إذا أعطى أُجر، وإذا منع لم يأثم، بخلاف غيره. قال الحسن : إن الله لم يعطِ أحداً عطية إلا جعل فيها حساباً، إلا سليمان، فإن الله أعطاه عطاءً هيناً. وهذا مما خُصّ به سليمان عليه السلام، وأما غيره، فيؤخر على بذله، ويُعاقب على منعه من حقه، و ﴿بغير حساب﴾ : قيل : متعلق بعطاؤنا، وقيل : حال من المستكن في الأمر، أي : هذا عطاؤنا جمّاً كثيراً، لا يكاد يقدر على حصره، أو : هذا التسخير عطاؤنا فامنن على مَن شئت من الشياطين بالإطلاق، أو : أمسك مَن شئت منهم في الوثاق، لا حساب عليك في ذلك. ﴿وإِنَّ له عندنا لزُلفى﴾ ؛ لقُربى في الآخرة، مع ما له في الدنيا من الملك العظيم، ﴿وحُسنَ مآب﴾ ؛ مرجع، وهي الجنة. وزُلفى : اسم إن، و " له " : خبر، و " عند " : متعلق بالاستقرار.
رُوي أن سليمان عليه السلام لما ورث مُلك أبيه، سار من الشام إلى العراق، فبلغ خبره كسرى، فهرب إلى خراسان، فلم يلبث حتى هلك. ثم سار سليمان عليه السلام إلى مرو، ثم إلى بلاد الترك، فأوغل فيها، ثم جاز بلاد الصين، ثم عطف إلى أن وافى بلد فارس، فنزلها أياماً، ثم عاد إلى الشام، فأمر ببناء بيت المقدس، فلما فرغ منه سار إلى تهامة، ثم إلى صنعاء، وكان من حديثه مع صاحبتها ما ذكر الله، وغزا بلاد المغرب ؛ الأندلس وطنجة وغيرهما. انظر أبا السعود. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٩


الصفحة التالية
Icon