الإشارة : ما أعطى اللهُ عبداً مُكنةً إلا بعد محنة، ولا رفع مقاماً إلا بعد ابتلاء، وإما في البدن والمال، إما في الدين، إنْ صَحِبه رجوع وانكسار. كأنّ الله تعالى إذا أراد أن يرفع عبداً أهبطه إلى الأرض قهرية العبودية، ثم يرفعه إلى مشاهدة عظمة الربوبية، ثم يملكه الوجود بأسره، يتصرف فيه بهمّته كيف شاء. ولذلك قيل في معصية آدم : نعمت المعصية أورثت الخلافة. وشاهده حديث :" أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي " ومَن كان الله عنده، ماذا يفوته ؟
وقوله تعالى :﴿وهَبْ لي مُلكاً...﴾ الخ، قال القشيري : لم يطلب المُلكَ الظَاهر، وإنما أراد به أن يَمْلِكَ نَفْسَه، فإن المَلِكَ ـ على الحقيقة ـ مَن ملَك نفسَه، فمَن مَلِكَها لم يَتَّبعْ هواه، أي : فيكون حرّاً، فيملكه الله التصرُّف في الوجود. ثم قال : ويُقال أراد به
٢٢٢
كمالَ حاله في شهود ربه، حتى لا يَرى معه غيرَه، ويقال : سأل القناعةَ التي لا يبقى معها اختيار. هـ.
وقوله تعالى :﴿هذا عطاؤنا فامنُنْ أو أَمسك بغير حساب﴾، هو عند الأولياء ليس خاصّاً بسليمان، فكل مَن تمكَّن مع الله التمكُّن الكبير يُفوض إليه الأمر، ويقال : افعل ما شئت، وشاهده : حديث أهل بدر. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : يبلغ الوليّ مبلغاً يُقال له : أصحبناك السلامة، وأسقطنا عنك الملامة، فاصنع ما شئت. ثم استشهد بالآية في حق سليمان، هذا، وإن كان للنبي من أجل العصمة، فلِمن كان من الأولياء في مقام الإمامة قسط منه، من أجل الحفظة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٩