يقول الحق جلّ جلاله :﴿واذكر عبدنَا أيوبَ﴾، وهو ابن عيصو بن إسحاق عليه السلام، أي : من ذريته ؛ لأنه بعد يوسف، وامرأته : رحمة بنت إفراثيم بن يوسف. ﴿إِذ نادى ربَّه﴾، وهو بدل اشتمال من " عبدنا ". و " أيوب " : عطف له، ﴿أَنِّي﴾ أي : بأني ﴿مسني الشيطان بنُصْبٍ﴾ أي : تعب، وفيه قراءات بفتحتين، وبضمتين، وبضم وسكون، وبنصب وسكون. ﴿وعذابٍ﴾ أي : ألم، يريد ما كان يقاسيه من فنون الشدائد، وهو الضر في قوله :﴿مَسَّنِىَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء : ٨٣]، وهو حكاية لكلامه الذي ناداه به، وإلا لقيل : إنه مسّه. وإسناده إلى الشيطان على طريق الأدب في إسناد ما كان فيه كمال إلى الله تعالى، وما كان فيه نقص إلى الشيطان أو غيره، كقول الخليل :﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾ [الشعراء : ٨٠] ولم يقل : أمرضني. وكقول يوشع عليه السلام :﴿وَمَآ أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف : ٦٣]. وفي الحقيقة : كلٌّ من عند الله. وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه، من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك، بكشف البلاء، أو بدفعه وردّه بالصبر الجميل.
ورُوي : أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين، فارتدّ أحدهم، فسأل عنه، فقيل : ألقى إليه الشيطان : أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين، فشكا ذلك إلى ربه. وذكر في سبب بلائه ؛ أنه ذبح شاة فأكلها، وجاره جائع، أو : رأى منكراً فسكت عنه، أو : استغاثه مظلوم فلم يغثه، أو : كانت مواشيه في ناحية ملك كافر، فداهنه، فلم يغزه، أو : سؤاله امتحاناً لصبره، أي : هل يصبر أم لا، أو : ابتلاه لرفع درجاته بلا سبب، وهو أولى.
﴿اركُضْ برِجْلِكَ﴾، حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام، أي : أرسلنا له جبريل
٢٢٣