﴿ما كان لِيَ من عِلْم بالملأِ الأعلى إِذْ يختصمون﴾، احتجاج على صحة نبوته، بأن ما ينبىء به عن الملأ الأعلى، واختصامهم، أمر غيبي، لم يكن له به علم قطّ، ثم علمه وأخبر به، ولم يسلك الطريق الذي سلكه الناس في علم ما لم يعلموا، وهو الأخذ عن أهل العلم، ودراسة الكتب، فتحقق أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى. والملأ الأعلى هم الملائكة، وآدم، وإبليس ؛ لأنهم كانوا في السماء، وكان اختصامهم : التقاول بينهم، كقولهم :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا...﴾ [البقرة : ٣٠] الخ، وكقول إبليس :﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ...﴾ [الأعراف : ١٢ و ص : ٧٦] الخ، ويدل عليه ما يأتي من الآيات. وقيل : اختصامهم في الكفارات وغفران الذنوب، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلفت الملائكة في قدر ثوابه، حتى يقضي الله ما شاء.
ورُوي في هذا حديث، وهو أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال له ربه ـ عزّ وجل ـ في النوم :" أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا، قال : اختصموا في الكفارات والدرجات، فأما الكفارات فإسباغ الوضوء على المكاره، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وأما الدرجات ؛ فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة
٢٣٠
بالليل والناس نيام " رواه الترمذي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٠
و ﴿إِذ يختصمون﴾ : متعلق بمحذوف يقتضيه المقام ؛ إذ المراد نفي علمه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بحالهم لا بذواتهم، والتقدير : ما كان لِيَ فيما سبق علم بما يوحيه في شأن الملأ الأعلى وقت اختصامهم. وانظر أبا السعود.


الصفحة التالية
Icon