تنزيل تنزّهت قلوب الأحباب بعد ذُبولِ عصن سرورها، في كتاب الأحباب، عند قراءة فصولها. والعجب منها كيف لا تزهو سروراً بوصولها، وارتياحاً بحصولها، وكتابُ موسى في الألواح، ومنها كان يقرأ موسى، وكتابُ نبينا ﷺ نَزَلَ به الروح، الأمين، على قلبك، وفَصْلٌ بين مَن يكون خطابُ ربه مكتوباً في ألواحه، وبين مَن يكون خطاب ربه محفوظاً في قلبه، وكذلك أمته، ﴿بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت : ٤٩]. هـ.
وقوله تعالى :﴿فاعْبُد اللهَ مخلصاً له الدينَ﴾، قال القشيري : العبادة : معانقة الطاعات على نعت الخضوع، وتكون بالنفس وبالقلب وبالروح، فالتي بالنفس ـ أي : بالجوارح ـ الإخلاص فيها : التباعد عن الانتقاص، والتي بالقلب، أي : كالفكرة والنظرة، الإخلاص فيها : التباعد عن رؤية الأشخاص ـ أي : الحس من حيث هو ـ والتي بالروح، الإخلاص فيها : التنقِّي عن رؤية طلب الاختصاص.
قوله تعالى :﴿ألا لله الدينُ الخالصُ﴾ هو ما يكون جملته لله، وما للعبد فيه نصيب فهو عن الإخلاص بعيد، اللهم إلا أن يكون بأمره، فإنه إذا أَمَرَ العبدَ أن يحتسب الأجرَ على طاعته، فأطاعه، لا يخرج عن الإخلاص بامتثاله ما أمره به، ولولا هذا مَا صحَّ أن يكون في العالَم مُخْلِصٌ، يعني : أن جُل الناس إنما يطيعون لاحتساب الأجر، إلا الفرد النادر، فمَن زال عنه الحجاب فإنه يعبد الله بالله، شكراً، وإظهاراً للأدب، فإن قصد الاحتساب، ثم طرأ عليه خواطر بعد تحقق الإخلاص، فلا يضر، يدل عليه قوله ﷺ :" مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " وهذا في أصل القصد، والعوارض غير مضرة، كما هو صريح حديث آخر. والله تعالى أعلم.
ثمّ ردّ على المشركين، فقال :


الصفحة التالية
Icon