﴿إِن الله لا يهدي﴾ : لا يُوفِّق للاهتداء ﴿مَن هو كاذب كفَّار﴾ أي : راسخ في الكذب، مبالغ في الكفر، كما يُعرب عنه قراءة من قرأ :" كذاب " أو :" كذوب "، أي : لا يهديهما اليوم لدينه ؛ لسابق الشقاء، ولا في الآخرة لثوابه ؛ لأنهما اليوم فاقدان للبصيرة، غير قابلين للاهتداء ؛ لتغييرهما الفطرة الأصلية بالتمرُّن في الضلالة والتمادي في الغي. ﴿لو أراد اللهُ أن يتخذ ولداً﴾ كما يزعم مَن يقول : الملائكة بنات الله، والمسيح وعزير ابن الله، تعالى الله عن قولهم عُلواً كبيراً، ﴿لاصْطَفى مما يَخْلُقُ ما يشاء﴾ أي : لاختار مِن خلقه ما يشاء، ممن له مناسبة صمدانية، كالملائكة، فإنهم منزَّهون عن نقائض البشرية، كالأكل والشرب والنكاح، لكن لم يُرد ذلك ؛ لاستحالته في حقه تعالى.
قال القشيري : خاطَبَهم على قَدْرِ عقولهم وعقائدهم، فقال : لو أراد الله أن يتخذ ولداً بالتبنِّي والكرامة لاختار من الملائكة، الذين هم مبرَّؤون من الأكل والشرب وأوصافِ الخلق، ثم أخبر عن تَقَدُّسه عن ذلك، فقال :﴿سبحانه﴾ أي : تنزيهاً له عن اتخاذ الولد على الحقيقة ؛ لاستحالة معناه في نَعْتِه، ولا بالتبني، لتقدُّسه عن الجنسية، والمحالات تدل على وجه الإبعاد. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
والحاصل : أن الولد في حقه تعالى ؛ إن كان عن طريق التولُّد فهو محال، عقلاً ونقلاً، وإن كان عن طريق التبني والكرامة فمُحال سمعاً، وقيل : وعقلاً. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي رضي الله عنه : قوله، أي : القشيري : لتقدُّسه عن الجنسية،
٢٣٨


الصفحة التالية
Icon