﴿وسخَّر الشمسَ والقمرَ﴾ : جعلهما منقادين لأمره. ﴿كُلٌّ يجري لأَجَلٍ مُسمًّى﴾، وهو يوم القيامة، أو : كل منهما يجري لمنتهى دورته، ﴿أَلاَ هو العزيزُ﴾ ؛ الغالب القادر على كل شيء، ومن جملتها : عقاب العصاة، ﴿الغفارُ﴾ : المبالغ في المغفرة، ولذلك لا
٢٤٠
يُعاجل بالعقوبة، ولا يمنع ما في هذه الصنائع البديعة من آثار رحمته. وتصدير الجملة بحرف التنبيه، لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها.
﴿خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ﴾، لَمَّا ذكر ما يتعلق بالعالم العلوي، ذكر ما يتعلق بالعالم السفلي، وترك العاطف للإيذان باستقلاله في الدلالة على الوحدانية، وبدأ بالإنسان ؛ لأنه المقصود الأهم من هذا العالم، ولعَرَاقته في الدلالة على توحيد الحق وباهر قدرته ؛ لما فيه من تعاجيب آثار القدرة، وأسرار الحكمة، وأصالته في المعرفة ؛ فإن الإنسان بحال نفسه أعرف، والمراد بالنفس : نفس آدم ـ عليه السلام.
﴿ثم جعل منها زوجَهَا﴾ : عطف على محذوف، صفة لنفس، أي : من نفسٍ خلقها ثم جعل منها زوجها، أو : على معنى : واحدة، أي : نفس وُجدت ثم جعل منها زوجها حواء، وعطفت بثم دلالة على مباينتها له فضلاً ومزية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة، مع التراخي في الزمان. وقيل : أخرج ذرية آدم من ظهره كالذّر، ثم أخرج منه حوّاء، ففيه ثلاث آيات ؛ خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من قصيراه، ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٠
وأنزل لكم من الأنعامِ﴾ أي : قضى وجعل، أو : خلقها في الجنة مع آدم عليه السلام، ثم أنزلها، أو : أحدث لكم بأسباب نازلة من السماء، كالأمطار، وأشعة الكواكب، كما تقول الفلاسفة. ﴿ثمانيةَ أزواج﴾ ذكراً وأنثى، وهي : الإبل، والبقر، والضأن، والمعز. فالزوج اسم لواحد معه آخر، فإذا انفرد فهو فرد، ووتر.