الإشارة : خلق سماوات الأرواح، وأرض النفوس، بالحق، أي : لسبب معرفته، وعبادته، فالمعرفة للأرواح، والعبادة للنفوس، يُكوّر نهار البسط على ليل القبض، وبالعكس، وسخَّر شمس العيان، وقمر البرهان، كُلٌّ يجري إلى أَجل مسمى، إلا أن قمر البرهان ينتهي بطلوع شمس العيان، وشمس العيان لا انتهاء لها. ﴿لا إله إلا هو العزيز﴾ فيمنع بعزته من الوصول إليه مَن أراد احتجابه، ﴿الغفار﴾ فيغطي بفضله مساوىء مَن أراد وصلتَه. ﴿خلقكم من نفس واحدة﴾ ؛ من روح واحدة، هي الروح الأعظم، ثم تفرّعت منها الأشياء كلها. وأنزل لكم من الأنعام ما تتصرفون فيه، وتتقربون به إلى ربكم، ثم ذكَّرهم بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، بقوله :﴿يخلقكم في بطون أمهاتكم...﴾ إلخ، فنعمة الإيجاد ظاهرة، ونعمة الإمداد : ما يتغذّى به الجنين في بطن أمه من دم الحيض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِن تكفروا﴾ به تعالى، بعد مشاهدة هذه النعم الجسيمة، وشؤونه العظيمة، الموجبة للإيمان والشكر، ﴿فإِن الله غَنِيٌّ عنكم﴾ أي : فاعلموا أنه تعالى غَنِي عن إيمانكم وشكركم، ﴿ولا يرضى لعبادِهِ الكُفْرَ﴾ ؛ لأن الكفر ليس برضا الله، وإن كان بإرادته، وعدمُ رضاه تعالى بالكفر لأجل منفعتهم، ودفع مضرتهم، رحمة بهم، لا لتضرره تعالى به. ﴿وإِن تشكروا﴾ وتؤمنوا ﴿يرضَهُ لكم﴾ أي : يرضى الشكر لأجلكم ومنفعتكم ؛ لأنه سبب الفوز بسعادة الدارين.
وإنما قال :﴿لعباده﴾ ولم يقل " لكم "، لتعميم الحكم، وتعليله بكونهم عباده تعالى، والحاصل : أن وقوع الطاعة والإيمان هو بقدرته تعالى، وإرادته ورضاه، وأما الكفر والمعاصي فهو بقضائه وإرادته، ولم يرضها من عبده شرعاً، وإن رضيها تكويناً ؛ لتقوم الحجة على العبد، ويظهر صورة العدل، ولا يظلم ربك أحداً، وإن كان الكل منه وإليه.


الصفحة التالية
Icon