الإشارة : الصفة الممدوحة في الإنسان : أن يكون إذا مسَّه الضر التجأ إلى سيده، مع الرضا والتسليم، فإذا كشف عنه شكر الله وحمده، ودام على شكره، ونسب التأثير إلى الأسباب والعلل، وهو صريح الآية. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أمنْ هو قانتٌ﴾ أي : مطيع، قائم بواجب الطاعات، دائم على أداء وظائف العبادات، ﴿آناء الليل﴾ أي : في ساعات الليل، حالتي السراء والضراء، كمَن ليس كذلك، بل إنما يفزع إلى الله في الضراء فقط، فإذا كشف عنه نسي ما كان يدعو إليه من قبلُ، وحذفه لدلالة ما قبله عليه. ومَن قرأ بالتشديد، فـ " أم " إما متصلة، حُذف مقابلها، أي : أنت خير حالاً ومآلاً أم مَن هو قائم بوظائف العبادات، أو : منقطعة، والإضراب للانتقال من التهديد إلى التبكيت بالجواب الملجىء إلى الاعتراف بما بينهما، كأنه قيل : أم مَن هو قانت أفضل، أم مَن هو كافر مثلك ؟
حال كون القانت ﴿ساجداً وقائماً﴾ أي : جامعاً بين الوصفين المحمودين. وتقديم السجود على القيام ؛ لكونه أدخل في معنى العبادة. ﴿يحْذَرُ الآخرةَ﴾ أي : عذاب الآخرة، حال أخرى، أو : استئناف، جواب عما نشأ من حكاية حاله من القنوت والسجود، كأنه قيل : فما باله يفعل ذلك ؟ فقيل : يحذر الآخرة، ﴿ويرجو رحمةَ ربه﴾ أي : الجنة، فينجو بذلك مما يحذره، ويفوز بما يرجوه، كما ينبىء عنه التعرُّض لعنوان الربوبية، المنبئة عن التبليغ إلى الكمال، مع الإضافة إلى ضمير الراجي.


الصفحة التالية
Icon