الإشارة : مَن سبق له الإبعاد لا يفيده الكد والاجتهاد، ومَن أسدل بينه وبينه الحجاب، لا يفيده إلا الوقوف بالباب، حتى يحنّ الكريمُ الوهاب، فإنّ العواقب في هذه الدر مبهمة، والأعمال بالخواتم. قال القشيري : والذين حقت عليهم كلمةُ العذاب، فإنهم اليوم اليوم لا يخرجون من حجاب قلوبهم. هـ. وبالله التوفيق.
ولمَّا كان المراد بقوله :﴿أفأنت تُنقذ مَن في النار﴾ هم الذين قيل في حقهم :﴿لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر : ١٦] استدرك عنهم أهل التقى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٠
٢٥١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿لكِنِ الذين اتقوا ربَّهم﴾، وهم الذين وصفوا بقوله تعالى :﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر : ١٦]، ووُصفوا بالاجتناب والإنابة، وحصل لهم البُشرى، حيث استمعوا وتبعوا أحسن القول، وهم المخاطبون أيضاً بقوله :﴿يَا عِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ [الزمر : ١٠]... الآية.
فبيَّن هنا أن لهم درجات عالية في جنات النعيم، في مقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم، فهي في مقابلة قوله لهم :﴿من فوقهم ظُلل من النار ومن تحتهم ظُلل﴾ في حق الكفار، أي : لكن أهل التقى لهم عَلالِي، بعضها فوق بعض ﴿مبنيةٌ﴾ بناء المنازل المؤسسة على الأرض في الرصانة والإحكام. ﴿تجري من تحتها﴾ أي : من تحت تلك الغرف ﴿الأنهارُ﴾ من غير تفاوت بين العلو والسفل. ﴿وَعْدَ اللهِ﴾ أي : وعد الله ذلك وعداً، فهو مصدر مؤكد لقوله :﴿لهم غُرف﴾ فإنه في قوة الوعد. ﴿لا يُخلف الله الميعاد﴾ لاستحالته عليه سبحانه.


الصفحة التالية
Icon