﴿الحمد لله﴾ على عدم استوائهما. قال الطيبي : ثم إذا لزمتهم الحجة قل : الحمد لله، شكراً على ما أولاك من النصرة، وقهر الأعداء بالحجج الساطعة. وفيه تنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية، وعلو الرتبة، بتوفيق الله تعالى، وأنه مِنَّة جليلة، موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته، أو : حيث ضرب لهم المثل الأعلى، وللمشركين المثال السوء، فهذا صنع جميل، ولُطف تام، مستوجب لحمده وشكره ؛ ﴿بل أكثرُهُم﴾ أي : المشركون ﴿لا يعلمون﴾ ذلك، مع كمال ظهوره، فيقعون في ورطة الشرك
٢٥٩
والضلال، وهو انتقال من بيان الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان عدم علمهم ذلك، مع غاية ظهوره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٩
ثم ذكر المحل الذي يظهر فيه عدم استوائهما عياناً، وهو ما بعد الموت، فقال :﴿إِنك مَيِّت وإِنهم ميتون﴾، فتجتمعون عندنا، فنحكم بينكم. وقيل : كانوا يتربّصون برسول الله ﷺ موته، أي : إنكم جميعاً بصدد الموت، ﴿ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تَخْتصمون﴾. فتحتجّ عليهم بأنك بلّغت الرسالة، واجتهدت في الدعوة، فتلزمهم الحجة ؛ لأنهم قد لجُّوا في العناد، فإذا اعتذروا بتقليد آبائهم لم يُقبل عذرهم. وقيل : المراد : الاختصام فيما دار بينهم في الدنيا. والأول أنسب.
الإشارة : لا يستوي القلب المشترك مع القلب المفرد الخالص لله، القلب المشترك تفرّقت همومه، وتشتت أنواره، بتشتيت شواغِله وعلائقه، وتفرّقت محبته، بتفرُّق أهوائه وحظوظه، والقلب المفرد اجتمعت محبته، وتوفرت أنواره وأسراره بقدر تفرُّغه من شواغله وعلائقه. وفي الحِكَم :" كما لا يحب العمل المشترك، لا يحب القلب المشترك، العمل المشترك لا يقبله، والقلب المشترك لا يُقبل عليه ". وقال أيضاً :" فرِّغ قلبك من الأغيار تملؤه بالمعارف والأسرار ".


الصفحة التالية
Icon