﴿والذي جاء بالصدقِ﴾ وهو محمد ﷺ ﴿وصدَّق به﴾ : وهم المؤمنون، أي : والفوج، أو : الفريق الذي جاء بالصدق، والفريق الذي صدّق به. ﴿أولئك هم المتقون﴾ : المنعوتون بالتقى، التي هي أجلّ الرغائب.
وقرىء " صَدَقَ " بالتخفيف، أي : صدق به الناس، فأدَّاه إليهم كما أنزل عليه، من غير تغيير، وقيل : صار صادقاً بسببه ؛ لأن ما جاء به من القرآن معجزة دالة على صدقه صلى الله عليه وسلم.
﴿لهم ما يشاؤون عند ربهم﴾ : هو بيان لِما لهم في الآخرة من حسن المآب، بعد بيان ما لهم في الدنيا من محاسن الأعمال، أي : لهم ما يشاؤونه من جلب المنافع ودفع المضار، وتوالي المسار في الآخرة، لا في الجنة فقط ؛ لأن بعض ما يشاؤون يقع قبل دخول الجنة، من تكفير السيئات، والأمن من الفزع الأكبر، وسائر أهوال القيامة. ﴿ذلك﴾ الذي ذكر من حصول كل ما يشاؤونه ﴿جزاءُ المحسنين﴾ أي : الذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا.
﴿لِيُكَفِّر الله عنهم أَسْوَأَ الذي عَمِلُوا﴾، اللام متعلق بقوله :﴿لهم ما يشاؤون﴾ ؛ لأنه في معنى الوعد، كأنه قيل : وعد الله لهم جميع ما يشاؤونه من دفع المضار وحصول المسار ؛ ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا، أي : أقبحه وأعظمه، وأولى أصغره. وقيل : يتعلق بمحذوف، أي : يسر لهم الصدق والتصديق ليكفر... إلخ. ﴿ويجْزِيَهم أجْرَهُم بأحسنِ الذي كانوا يعملون﴾ فإذا كان في عملهم حسن وأحسنُ منه، جزاهم بجزاء الأحسن على الجميع، تكرُّماً منه وإحساناً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٠
والحاصل : أنه سبحانه لكرمه يُكفر السيىء والأسوأ بالأحروية، ويجزي على الحسن بجزاء الأحسن منه والأرجح، كمَن أهدى لملك هديتين ؛ صغيرة وكبيرة، فكافأه على
٢٦١
الصغيرة بقدر ما كافأه على الكبيرة. قال القشيري : وأحسن أعمال المؤمن : الإيمان والمعرفة، فيكون على أحسن الأعمال أحسن الثواب، وهو الرؤية. هـ.