قال في لطائف المنن : مبنى الوليّ على الاكتفاء بالله، والقناعة بعلمه، والاغتناء بشهوده. قال تعالى :﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾ وقال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت : ٥٣] هـ. وقال الشيخ أبو الحسن ﷺ : يقول الله ـ عزّ وجل ـ : عبدي اجعلني مكان همك أكفك همك، عبدي ؛ ما كنت بك فأنت في محل البُعد، وما كنت بي فأنت في محل القُرب، فاختر لنفسك. هـ. أي : ما دمت مهموماً بنفسك فأنت في محل البُعد، وإذا خرجت عنها، وطرحتها بين يدي خالقها، أو غبت عن وجودها بالكلية، فأنت في محل القُرب، الأول : قُرب مراقبة، والثاني : قُرب مشاهدة.
وقوله تعالى :﴿ويُخوفونك بالذين من دونه﴾ : هو عام في كل ما يُخاف منه، فالعارف لا يخاف من شيء ؛ لعلمه بأن الله ليس معه شيء، ولا يقع في الوجود إلا قدره وقضاؤه، ومَن يعتقد غير هذا فهو ضال، ومَن يُضلل الله فلا هادي له. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولئن سألْتَهُم﴾ أي : مَن يخوفونك ممن سوى الله، وقلت لهم :﴿مَن خلَقَ السماواتِ والأرض لَيقولُنَّ اللهُ﴾ ؛ لوضوح الدلائل على انفراده بالاختراع. ﴿قُلْ﴾ تبكيتاً لهم :﴿أفرأيتم ما تدعون من دون الله﴾ من الأصنام، ﴿إِن أرادنيَ اللهُ بضُرٍّ هل هن كاشفاتُ ضُره﴾ أي : إذا تحققتم أن خالق العالم العلوي والسفلي هو الله وحده، فأخبروني عن آلهتكم، إن أرادني اللهُ بضُر هل يقدر أحد منهم على كشف ذلك الضر عني ؟ ﴿أو أرادنِي برحمةٍ﴾ أي : بنفع ﴿هل هن مُمسكاتُ رحمته﴾ وصارفتها عني ؟ !
وقرأ البصري :" كاشفاتٌ " و " ممسكاتٌ " بالتنوين، ونصب " ضره " و " رحمته " على المفعول. وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه ﷺ، للرد في نحورهم ؛ حيث كانوا يُخوفونه من معرَّة الأوثان، ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصيحة. وإنما قال :" كاشفات "
٢٦٣