وقال الورتجبي : صورة الآية وقعت على الجاحدين والمتكبرين، الذين ليس في محبتهم إلا متابعة الأشكال والأمثال، من حيث التشبيه والخيال ؛ لأن قلوبهم خلقت على مشاكلة الأضداد والأنداد، ولم يكن في قلوبهم سجية أهل المعرفة بالله، فإذا سَمِعُوا ذِكْر مَن لا يدخل في الخيال والمثال انقبضت قلوبهم وصدورهم، ونفرت، وإذا سمعوا ذكر غير الله من الصور والأشباح، سكنت نفوسهم إليها من غاية غباوتهم، وكمال جهالتهم، فهم مثل الصبيان، إذ هم يفرحون بالأفراس الطينية والأُسد الخشبية، ولا يطيقون أن ينظروا إلى عَدْوِ العاديات، وإلى الضراغم الباديات... هـ. مختصراً.
ولقد بالغ في بيان حالتيهم المتقابلتين ؛ حيث ذكر الغاية فيهما، فإن الاستبشار : هو أن يمتلىء القلب سروراً، حتى تنبسط له بشرة الوجه وتتهلل، والاشمئزاز : أن يمتلىء القلب غيظاً وغمّاً، حتى ينقبض منه أديم الوجه، فتظهر عليه الكآبة والحزن. والعامل في ﴿إِذا﴾ الأولى :" اشمأزت "، وفي الثانية : ما هو العامل في " إذا " الفجائية، والتقدير : وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا وقت الاستبشار.
ثم أمر نبيه بالالتجاء إليه حين إدبارهم، فقال :﴿قُلِ اللهمَّ فاطِرَ السماواتِ والأرضِ﴾ أي : يا فاطر، وليس بوصف، خلافاً للفراء والمبرّد، أي : اللهم يا مظهر السماوات والأرض، ﴿عالِمَ الغيبِ والشهادةِ﴾ أي : ما غاب من أسرار ذاتك وما ظهر، أو : السر والعلانية، أي : التجىء إليه تعالى إذا اغتممت من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد ؛ فإنه القادر على الأشياء بجملتها، والعالم بالأحوال برمتها. ﴿أنت تَحْكُمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون﴾ أي : حُكماً يُسلمه كل مكابر ومعاند، ويخضع له كلَّ عاتٍ ومارد، فاحكم بيني وبين معاندي، بالنصر عليهم في الدنيا والآخرة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٧


الصفحة التالية
Icon