يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولو أنّ للذين ظلموا﴾ بالشرك، ﴿ما في الأرض جميعاً﴾ : من الأموال والذخائر، ﴿ومِثْلَهُ معه﴾ زائد عليه، ﴿لافْتَدوا به من سوءِ العذاب﴾ أي : شدته، ﴿يومَ القيامةِ﴾ أي : لو أن لهم جميع ما في الدنيا لجعلوا ذلك فدية لأنفسهم من العذاب الشديد، وهيهات هيهات، ولات حين مناص. وهذا كما ترى وعيد شديد لأهل الشرك، وإقناط كلي لهم. ﴿وَبَدَا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾ أي : ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في ظنهم وحسبانهم، ولم يُحدِّثوا به نفوسهم. وهذا غاية من الوعيد، لا غاية وراءها، ونظيره في الوعد : قوله تعالى :﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة : ١٧].
﴿وبدا لهم سيئاتُ ما كسبوا﴾ أي : ظهر لهم سيئات أعمالهم التي كسبوها، أو سيئات كسبهم حين تُعرض عليهم صحائفُهم، وكانت خافية عليهم، أو : عقاب ذلك. ﴿وحاقَ بهم﴾ أي : نزل بهم وأحاط، ﴿ما كانوا به يستهزئون﴾ أي : جزاء هزئهم بالإسلام، ومَن جاء به، ومَن تبعه.
الإشارة : الآية تجرّ ذيلها على كل ظالم لم يتب، فيتمنى الفداء بجميع ما في
٢٦٩
الأرض، فلا يُمكّن منه. وقوله تعالى :﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾، هذه الآية عامة، لا يُفلت منها إلا الفرد النادر، الذي وصل إلى غاية المعرفة العيانية، ومَن لم يصل إلى هذا المقام فهو مقصِّر، يظن أنه في عليين، وهو في أسفل سافلين، ولذلك عظم خوف السلف منها، فقد جزع محمد بن المنكدر عند الموت، فقيل له في ذلك، فقال : أخشى آيةً من كتاب الله :﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾ فأنا أخشى أن يبدو لِي من الله ما لم أحتسب. وعن سفيان أنه قرأها، فقال : ويلٌ لأهل الرياء، ويلٌ لأهل الرياء. هـ.