والمغفرة تصدق بعد التعذيب وقبله، وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، كيف، وقوله تعالى :﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء : ٤٨] ظاهر في الإطلاق مما عدا الشرك ؟ وَلِمَا يدل عليه التعليل بقوله :﴿إِنه هو الغفور الرحيم﴾ على المبالغة، وإفادة الحصر، والوعد بالرحمة بعد المغفرة. وما في ﴿عبادي﴾ من الدلالة على الذلة والاختصاص، المقتضييْن للترحُّم. ﴿إِنه هو الغفورُ﴾ ؛ يستر عظام الذنوب ﴿الرحيمُ﴾ يكشف فظائع الكروب. والآية، وإن نزلت في " وحشي "، قاتل " حمزة "، أو في غيره، لا تقتضي التخصيص بهم، فإن أسباب النزول لا تخصص. وعن النبي ﷺ :" ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ". ولما نزلت في شأن وحشي، وأسلم، قال المسلمون : هذه له خاصة، أو للمسلمين
٢٧٢
عامة ؟ فقال النبي ﷺ :" بل هي للمسلمين عامة " وقال قتادة إن ناساً أصابوا ذنوباً عظاماً، فلما جاء الإسلام أشفقوا ألا يتاب عليهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية. وقال ابن عمر : نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر كانوا قد أسلموا ثم فُتنوا، فكنا نقول : لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً، فنزلت الآية، وكان عمر بن الخطاب كاتباً، فكتبها بيده، ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد، وإلى أولئك النفر، فأسلموا، وهاجروا.


الصفحة التالية
Icon