قال علي رضي الله عنه :" ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية ". فما يُقنط الناس ويشدد عليهم بعد هذه الآية إلا جهول، أو جامد، قال زيد بن أسلم : إنَّ رجلاً كان في الأمم الماضية مجتهداً في العبادة، فيشدد على نفسه، ويقنط الناس من رحمة الله، فمات، فقال : أيّ ربّ ؛ ما لي عندك ؟ فقال : النار. فقال : يا رب ؛ أين عبادتي ؟ فقال : إنك كنت تُقنط الناس من رحمتي في الدنيا، فاليوم أقنطك من رحمتي. وعن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ قال : الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٢
ثم حضَّ على التوبة لتتحقق المغفرة، فقال :﴿وأَنِيبوا إِلى ربكم﴾ أي : ارجعوا إليه بالتوبة والإخلاص. فالإنابة أخص من التوبة ؛ لأن التوبة : مطلق الندم على الزلة، والإنابة : تحقيق التوبة والنهوض إلى الله بإخلاص التوجه. قال ﷺ :" من السعادة أن يطول عمر الرجل ويرزقه الله الإنابة " قال القشيري : وقيل الفرق بين الإنابة والتوبة : أن التائب يرجع خوفاً من العقوبة، والمنيب يرجع حياءً منه تعالى. هـ.
والأمر بالتوبة لا يدل على تقييد المغفرة في الآية بها، كما تقدّم ؛ إذ ليس المدعَى : أن الآية تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبْق تعذيب، حتى يغني عن الأمر بها، وإنما المراد : الإخبار بسعة غفرانه، سواء كان مع التوبة أم لا. قال ابن عرفة : واعلم أن التوبة من الكفر مقطوع بها، ومن المعاصي، قيل : مظنونة، وقيل : مقطوع بها، هذا في الجملة، وأما في التعيين، كتوبة زيد بن عَمْرو، فلا خلاف أنها مظنونة. هـ. قلت : قد اقترن بتوبة زيد من الأخبار ما يقطع بصحتها.
ثم قال : وأما العاصي إذا لم يتب فهو في المشيئة، مع تغليب جانب الخوف والعقوبة، واعتقاد أن العذاب أرجح، وأما العصيان بالقتل، ففيه خلاف بين أهل السُّنة،
٢٧٣