يقول الحق جلّ جلاله :﴿واتَّبِعُوا أحسنَ ما أُنزل إليكم من ربكم﴾ أي : القرآن، فإنه أحسن الحديث، ولا أحسن منه لفظاً ومعنى، أو : المأمور به دون المنهي، أو : العزائم دون الرُخص، كقوله :﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر : ١٨]، أو : الناسخ دون المنسوخ، ولعله ما هو أعم، فيصدق بكل ما يقرب إلى الله، كالإنابة، والطاعة، ونحوهما، ﴿من قبل أن يأتيكم العذابُ بغتةً﴾ : فجأة، ﴿وأنتم لا تشعرون﴾ بمجيئه ؛ لتداركوا وتتأهبوا.
أمرتكم بذلك كراهة ﴿أن تقول نفس﴾، والتنكير للتكثير، كما في قوله :﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ﴾ [التكوير : ١٤]، أو : يراد به بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو : يُراد نفس متميزة إما بلجاج في الكفر شديد أو بعقاب عظيم :﴿يا حسرتا﴾، بألف بدل من ياء الإضافة ؛ لأن العرب تقلب ياء المتكلم ألفاً في الاستغاثة، فيقولون : يا ويلتا، يا ندامتا، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء، وربما ألحَقوا بها الهاء، فيقال : يا رباهُ، يا مولاهُ، وربما ألحقوا ياء المتكلم، جمعاً بين العوض والمعوض، وبذلك قرأ أبو جعفر :" يا حسرتاي " أي : يا ندامتاه ويا حزناه. ﴿على ما فَرَّطتُ﴾ : قصَّرت. و " ما " : مصدرية، أي : على تقصيري وتفريطي ﴿في جَنبِ اللهِ﴾ أي : جانبه وحقه وطاعته، أو : في ذاته، أي : معرفة ذاته، أو في قربه، من قوله :﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ [النساء : ٣٦]، أو : في سبيل الله ودينه،
٢٧٥
والعرب تسمي السبب الموصل إلى الشيء جنباً، تقول : تجرّعت في جنبك غُصَصاً، أي : لأجلك، أو : في الجانب الذي يؤدي إلى رضوانه، وهو توحيده والإقرار بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقرىء " في ذكر الله ". ﴿وإِن كُنتُ لمن الساخرين﴾ أي : المستهزئين بدين الله. قال قتادة : لم يكفهِ أن ضيّع طاعة الله حتى سخر بأهلها. و " إن " : مخففة، والجملة : حالية، أي : فرطت وأنا ساخر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon