أَوْ تقولَ لو أنَّ الله هداني} : أعطاني الهداية، ﴿لكنتُ من المتقين﴾ : من الذين يتقون الشرك. قال الإمام أبو منصور : هذا الكافر أعرفُ بهداية الله من المعتزلة. وكذلك أولئك الكفرة، الذين قالوا لأتباعهم :﴿لَّوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ [إبراهيم : ٢١] يقولون : لو وفقنا الله للهداية، وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن عَلِمَ منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا. والمعتزلة يقولون : بل هداهم وأعطاهم التوفيق ؛ لكنهم لم يهتدوا. انظر النسفي.
﴿أو تقولَ حين ترى العذابَ لو أن لي كرةً﴾ أي : رجعة للدنيا، ﴿فأكونَ من المحسنين﴾ : الموحِّدين الطائعين. و " أو " للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال، تحيُّراً وتحسُّراً، وتعليلاً بما لا طائل تحته.
فردَّ الله عليهم بقوله :﴿بلى قد جاءتك آياتي فكذَّبتَ بها واستكبرتَ وكنتَ من الكافرين﴾ أي : قد جاءتك آياتي، وبيّنت لك الهدايةَ من الغواية، وسبيلَ الحق من الباطل، فتركت ذلك، وضيعت، واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به، وإنما جاء التضييع من قِبلك، فلا عذر لك. و " بلى " : جواب لنفي مقدر، وهو نتيجة القياس الاستثنائي، أي : لو أن الله هداني لاهتديتُ وكنت متقياً، لكنه لم يهدني، وإنما أخّره ؛ لأنه لا بد من حكاية أقوال النفس عى ترتيبها، ثم يذكر الجواب في الجملة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم، أي : خذوا في الجد والاجتهاد في اتباع الأحسن والأرجح، في الأفعال، والأقوال، والعقائد، من قبل أن ينزل بكم العذاب. ولا عذاب أشد من الحجاب، والتخلُّف عن مقامات الأحباب، في وقت لا ينفع التأسُّف ولا التحسُّر. قال القشيري : هذا في أقوامٍ يَرَوْن أمثالَهم وأشكالهم، تقدّموا عليهم في أحوالهم، فشكوا ما سَلَفَ من تقصيرهم، ويَرَوْن ما وُفِّقَ أولئك إليه من أعالي الرتب، فيعضُّون بنواجذ الحسرة على أنامل الخيبة. هـ. وفي ذلك قيل وأنشد :