﴿ويُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوا﴾ الشرك والمعاصي، أي : من جهنم. ﴿بمفازتهم﴾ : بفوزهم، مصدر ميمي، يقال : فاز بالمطلوب : ظفر به، والباء متعلقة بمحذوف، حال من الموصول، مفيدة لمقارنة نجاتهم من العذاب بنيل الثواب، أي : ينجيهم الله من مثوى المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم أو : بسبب فوزهم بالإيمان والأعمال الحسنة في الدنيا، ولذا قرأ ابن عباس رضي الله عنه :" بمفازتهم بالأعمال الحسنة ". قال القشيري : كما وَقَاهم اليومَ من المخالفات، وحماهم، فكذلك غداً عن العقوبة وقاهم، فالمتقون فازوا بسعادة الدارين، اليومَ عصمة، وغداً نعمة، واليومَ عناية، وغداً كفاية. هـ.
﴿لا يمسُّهُم السوءُ ولا هم يحزنون﴾ : إما حال أخرى من الموصول، أو : من مفازتهم وقيل : تفسير للمفازة، كأنه قيل : وما مفازتهم ؟ فقيل : لا يمسهم السوء، أي : ينجيهم بنفي السوء والحُزن عنهم، فلا يمس أبدانَهم سوء، ولا قلوبَهم حزن.
الإشارة : ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله، بالدعاوى الباطلة، من القلوب الخاوية، فكل مَن ادعى حالاً ليست فيه، أو : مرتبة لم يتحققها، فالآية تجر ذيلها عليه، واسوداد وجوههم بافتضاحهم.
٢٧٧
قال القشيري : هؤلاء الذين ادَّعوا أحوالاً، ولم يَصْدُقُوا فيها، وأظهروا المحبةَ لله، ولم يتحققوا بها، وكفى بهم ذلك افتضاحاً، وأنشدوا :
ولما ادَّعَيْتُ الحُبَّ قالت : كَذَبْتَني
فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا ؟ >> فما الحُبُّ حتى تنزفَ العينُ بالبكا
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٧
وتخرسَ حتى لا تجيب المناديا
وينجي الله الذين اتقوا شهود السِّوى من كل مكروه، بسبب مفازتهم بمعرفة الله في الدنيا، لا يمسهم السوء، أي : غم الحجاب، لرفعه عنهم على الدوام، ولا هم يحزنون على فوات شيء ؛ إذ لم يفتهم شيء ؛ حيث فازوا بالله، " ماذا فَقَد من وجدك " ؟