قال الورتجبي : بمفازتهم : ما كان لهم في الله في أزل أزله، من محبتهم، وقبولهم بمعرفته، وحسن وصاله، ودوام شهود كماله. لا يمسهم السوء : لا يلحقهم، فلا يلحق بهم في منازل الامتحان، تفرقة عن مقام الوصلة، وحجاب عن جمال المشاهدة، انظر تمامه. وحاصله : فازوا بإدراك السعادة الأزلية. وعن جعفر الصادق : بمفازتهم : بسعادتهم القديمة، يعني لقوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء : ١٠١].... الآية. قاله المحشي الفاسي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿اللهُ خالقُ كُلّ شيءٍ﴾ : جامد أو حي، خير أو شر، إيمان أو كفر، لا بالجبر، بل بمباشرة الكاسب في عالَم الحكمة، وفيه إثبات القدرة والعلم، وهما مصححان للبعث والجزاء بالخير والشر، لمحسن أو مسيء. قال القشيري : ويدخل تحت قوله :﴿كل شيء﴾ كسبُ العباد، ولا يدخل كلامُه ؛ لأن المخاطِبَ لا يدخل تحت خطابه ولا صفاته. هـ. والمراد بالكلام : المعاني القديمة، وأما الألفاظ والحروف فهي مخلوقة، كما هو مقرر في محله. ﴿وهو على كل شيءٍ وكيل﴾ أي : حافظ يتولى التصرُّف فيه كيف يشاء.
﴿له مقاليدُ السماواتِ والأرضِ﴾ أي : مفاتح خزائنها، واحدها " مِقْليد "، أو : إقليد، أو : لا واحد لها، وأصلها فارسية، والمراد : أنه مالكها وحافظها، وهو من باب الكناية ؛ لأن حافظ الخزائن ومدبّر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم : فلان ألقيتْ إليه
٢٧٨
مقاليد الملك، أي : مفاتح التصرف قد سُلّمت إليه، وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد ؛ لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا مَن بيده مفاتحها.