﴿ولقد أُوحيَ إِليك وإِلى الذين من قبِلكَ﴾ : من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ :﴿لئن أشركتَ لَيَحْبَطنَّ عَمَلُكَ ولَتكُونَنَّ من الخاسرين﴾، كلام وراد على طريق الفرض، لتهييج الرسل، وإقناط الكفرة، والإيذان بغاية بشاعة الإشراك وقُبحه، وكونه بحيث يُنهي عنه مَن لا يكاد يمكن أن يباشره بمَن عداه أو : الخطاب له، والمراد غيره. وإفراد الخطاب مع كون الموحَى إليهم جماعة، باعتبار خطاب كل واحد في عصره، واللام موطئة لقسم محذوف، والثانية لام الجواب، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط، وإطلاق الإحباط لاحتمال أن يكون من خصائصهم ؛ لأن الإشراك منهم أشد، وأن يكون مقيداً بالموت، كما صرح به في آية البقرة، وهو مذهب الشافعي، وذهب مالك إلى أن الشرك يُحبط العمل قبل الردة، مات عليها، أو رجع إلى الإسلام، فينتقض وضوؤه وصومُه. وما قاله الشافعي أظهر.
٢٧٩
﴿بل اللهَ فاعبُدْ﴾، رد لما أمروه به من عبادة آلهتهم، كأنه قال : لا تعبد ما أمروك بعبادته ؛ بل إذا عبدت فاعبد الله، فحذف الشرط، وأقيم تقديم المفعول مقامه. ﴿وكن من الشاكرين﴾ على ما أنعم به عليك ؛ حيث جعلك رأس الموحدين وسيد المرسلين.
الإشارة : الله مُظهر كل شيء ؛ حيث تجلّى بها، وهو قائم بكل شيء. له مفاتيح غيوب السماوات والأرض، لا يطلعَ عليها إلا مَن خضع لأوليائه، الذين هم آيات من آياته. والذين كفروا بآيات الله، الدالة على الله، وهم أولياء الله، أولئك هم الخاسرون، فلا خسران أعظم من خيبة الوصول ؛ إذ لا يخلو المفروق عن الله من الشرك الخفي، فإذا أُمر المريد بإظهار شيء من سره، أو مداهنة غيره، قال :﴿أفغير الله تأمروني أعبدُ أيها الجاهلون﴾. ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت﴾ بأن طالعت غيري في سرك، أو تشوّفت أن يعلم الناس بخصوصيتك ﴿ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد﴾ واكتفِ به، واقنع بعلمه، واغتنِ بشهوده. ﴿وكن من الشاكرين﴾ على ما أولاك من سر خصوصيته.


الصفحة التالية
Icon