يقول الحق جلّ جلاله :﴿وسيقَ الذين اتقوا ربهم﴾ مساق إعزاز وتشريف، بلا إسراع ولا تكليف، إلى دار الكرامة والتعريف. قيل : يُساقون راكبين مبجَّلين، كما يجيء الوافدون إلى دار الملوك، يساقون ﴿إِلى الجنة زُمراً﴾ ؛ جماعة متفاوتين، بحسب تفاوت مراتبهم في الفضل، وعلو الطبقة، ﴿حتى إِذا جاؤوها وفُتِحَتْ أبوابها﴾ الثمانية. وقرىء بالتخفيف والتشديد. وجواب " إذا " محذوف ؛ للإيذان بأن لهم من فنون الكرامة ما لا تُحيط به العبارة، كأنه قيل : حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها، كان من الأمر والخبر ما يقصر عنه البيان. ﴿وقال لهم خزنتُها سلامٌ عليكم طبتم﴾ ؛ ظفرتم، وتقدّستم في دار التقديس من كل دنس، وطبتم نفساً، بما أتيح لكم من النعيم والأمن، ﴿فادْخُلوها خالدين﴾، وحذف الواو في وصف أهل النار ؛ لأن أبواب جهنم لا تفتح لهم حتى لهم حتى يصلوا إليها، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم، كما هي حال السجون، بخلاف أهل الجنة، فإنهم يجدونها مفتوحة، قال تعالى :
٢٨٤
﴿مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ﴾ [ص : ٥٠] كما هي حال منازل الأفراح والسرور.
﴿وقالوا الحمدُ لله الذي صَدَقَنا وَعْدَهُ﴾ أي : أنجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى، ﴿وأورثنا الأرضَ﴾ ؛ أرض الجنة، أي : المكان الذي استقرُّوا فيه، وقد أُورثوها وملكوها. وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون تشبيهاً بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه، واتساعه فيها، ﴿نتبوَّأُ من الجنة حيث نشاءُ﴾ أي : يتخذ كل واحد منا جنة لا توصف، سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ أيَّ مكان أراده من جنته الواسعة، ﴿فَنِعمَ أجرُ العاملين﴾ في الدنيا الجنة.


الصفحة التالية
Icon