والتَّوب : مصدر، كالتوبة. ويقال : تاب وثاب وآب، أي : رجع، فإن قلتَ : كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً، والموصوف معرفة، وهو الله ؟ قلتُ : أما ﴿غافر الذنب وقابل التَّوب﴾ فمعرفتان ؛ لأنه لم يُرِدْ بهما حدوث الفعلين حتّى يكون في تقدير الانفصال، فتكون إضافتهما غير حقيقية، وإنما أُريد ثُبوت ذلك ودوامه. وأما ﴿شديد العقاب﴾ فهو في تقدير : شديد عقابُه، فيكون نكرة، فقيل : هو بدل، وقيل : كلّها أبدال غير أوصاف. وإدخال الواو في ﴿قابل التوب﴾ لنكتة، وهي : إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين : بين قبول توبته، فتُكتب له طاعة، وبين جعلها ماحية للذنوب، كأن لم يُذنب، كأنه قال : جامع المغفرة والقبول. وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات النعمة دليل سبقها ورجحانها، " إن رحمتي سبقت غضبي ". قال القشيري : سُنَّةُ اللهِ تعالى : إذا خَوَّف العبادَ باسْمٍ، أو لفظٍ، تدارَكَ قلوبَهم بأن يُبشِّرهم باسْمَين أو وَصْفيْن. هـ. رُوي : أن عمر رضي الله عنه افتقد رجلاً ذا بأسٍ شديد، من أهل الشام، فقيل له : تابَع هذا الشراب، فقال لكاتبه : اكتب : من عمر إلى فلان، سلام الله عليك، وأنا أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حم...﴾ إلى قوله :﴿إِليه المصير﴾ وختم الكتاب، وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحباً، ثم أمر مَن عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة، جعل يقرؤها، ويقول : قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذّرني من عقابه، فلم يبرح يردّدها حتى بكى. ثمّ نزع، فأحسن النزوع، وحسنت توبته. فلما بلغ عمر رضي الله عنه أمرُه، قال :" هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زلَّ فسدّدوه، وادعوا له الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه " أي : بالدعاء عليه. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٦