لا إِله إلا هو} أي : فيجب الإقبال الكلي عليه، وهو : إما استئناف، أو : صفة لذي الطَّوْل، ﴿إِليه المصيرُ﴾ أي : المرجع، فيُجازي كُلاًّ من العاصي والمطيع. قال القشيري : إذا كان إلى الله المصير فقد طاب المسير.
﴿ما يُجادل في آيات الله﴾ أي : ما يُخاصم فيها بالطعن فيها، واستعمال المقدمات الباطلة ؛ لإدحاض الحق المشتملة عليه، ﴿إِلا الذين كفروا﴾، وأما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شُبهة منها، فضلاً عن الطعن فيها، وأما الجدال فيها لحل مشكلاتها، وكشف حقائقها، وتوضيح مناهج الحق منها، وردّ مذاهب أهل الزيغ بها، فمِن أعظم الجهاد في سبيل الله.
قال الطيبي : وأما اتصال قوله :﴿ما يُجادل في آيات الله...﴾ الآية بما قبله، فهو
٢٨٧
أنه لَمَّا قال تعالى :﴿حم تنزيل الكتاب﴾ من الإله المعبود، الموصوف بصفات العلم الكامل، والعز الغالب، الجامع بين غفران الذنب وقبول التوبة، المتفرّد بالعقاب، الذي لا يقدّر كنهه، وبالإفضال الذي لا يبلغ قدره، قال :﴿ما يُجادل في آيات الله﴾ أي : ما يجادل في مثل هذا الكتاب، المشتمل على الآيات البينات، المنزل من مثل ذلك الموصوف بنعوت الكمال، إلا أمثال هؤلاء الكفرة المغرورين، ﴿فلا يَغْرُرْكَ نَقَلُبُهم في البلاد﴾ فإنه استدراج، فلا يَغْرُر مثلك في منصب الرسالة تقلُبُ أولئك تقلبَ الأنعام، المنعَّمين في هذا الحطم. وآيات الله : مُظْهَر أقيم المُضمر ؛ للتعظيم والتفخيم. هـ.
والفاء لترتيب النهي عن الاغترار على ما قبله من التسجيل عليهم بالكفر، الذي لا شيء أمقت منه عند الله، ولا أجلب لخسران الدنيا والآخرة، فإنَّ مَن تحقق ذلك لا يكاد يغتر بما لهم من الحظوظ الفانية، والزخارف الدنيوية، فإنهم مأخوذون عما قليل، كما أُخذ من قبلهم. ولذلك ذكرهم بقوله :﴿كذبت...﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon