قلت : لمّا أظهر الله العرشَ تجلّى بنورٍ جبروتي رحموتي، استوى به على العرش، كما يتجلّى يوم القيامة لفصل القضاء، ثم ضرب الحُجُب بين هذا التجلي الخاص وبين الملائكة الحافِّين، ولا يلزم عليه حصر ولا تجسيم ؛ إذ تجليات الذات العالية لا تنحصر، وليست هذه الحُجُب بين الذات الكلية وبين الخلق ؛ إذ لا حجاب بينها وبين سائر
٢٩٠
المخلوقات إلا حجاب القهر والوهم. واخْتُلف في هيئة العرش، فقيل : إنه مستدير، والكون كله في جوفه كخردلة في الهواء، حتى قيل : هو الفلك التاسع، وقيل : هو منبسط كهيئة السرير، وله سواري وأعمدة، وهو ظاهر الأخبار النبوية. رَوى جعفرُ الصادق عن أبيه عن جده، أنه قال : إن بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية من خفقان الطير المسرعة قياس ألف عام، وإن ملَكاً يقال له : حزقائيل، له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح والجناح خمسمائة عام، فأوحى الله إليه : أن طِرْ، فطار مقدار عشرين ألف سنة، فلم ينل رأسُه قائمةً من قوائم العرش، ثم طار مقدار ثلاثين ألف سنة فلم ينلها، فأوحى الله إليه : لو طرت إلى نفخ الصور لم تبلغ ساق عرشي. هـ. مختصراً.
وفي حديث آخر :" إن بين القائمة والقائمة من قوائم العرش ستين ألف صحراء، في كل صحراء ستون ألف عالم، في كل عالم قدر الثقلين " ومع هذا كله يسعه قلب العارف حتى يكون في زاوية منه ؛ لأنه محدود، وعظمة الحق غير محدودة، وقلب العارف قد تجلّت فيه عظمة الحق، فوسعها، بدليل الحديث :" لن تسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن " أي : الكامل.


الصفحة التالية
Icon