ثم أخبر تعالى عن حَمَلة العرش ومَن حوله بقوله :﴿يُسَبِّحُونَ بحمد ربهم﴾ أي : ينزهونه تعالى عما لا يليق بشأنه الجليل، ملتبسين بحمده على نعمائه التي لا تتناهى، ﴿ويُؤمنون به﴾ إيماناً يناسب حالهم. وفائدة ذكره مع علمنا بأن حملة العرش ومَنْ حوله الذي يُسبِّحون بحمد ربهم مؤمنون ؛ إظهار لشرف الإيمان وفضيلته، وإبراز لشرف أهله، والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء في بعض المواضع بالصلاح. وفيه تنبيه على أن الملائكة لم يحصل لهم العيان، وإنما وًصفوا بالإيمان بالغيب، وهم طبقات : منهم العارفون أهل العيان، ومنهم أهل الإيمان.
ثم قال تعالى :﴿ويستغفرون للذين آمنوا﴾ أي : ويستغفرون لمَن شاركهم في حالهم من الإيمان، وفيه دليل على أن الإشراك يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة والشفقة، وإن تباعدت الأماكن، وفي نظم استغفارهم لهم في سلك وظائفهم المفروضة عليهم، من تسبيحهم، وتحميدهم، وإيمانهم، إيذان بكمال اعتنائهم به، وإشعار بوقوعه عند الله ـ تعالى ـ موقع القبول.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٩
ربَّنا﴾
أي : يقولون : ربنا، إمّا بيان لاستغفارهم، أو حال، ﴿وَسِعْتَ كلَّ شيء رحمةً وعلماً﴾ أي : وسعت رحمتُك وعلمك كلَّ شيء، فأزيل الكلام عن أصله، بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم، ونُصبا على التمييز، مبالغةً في وصفه ـ تعالى ـ
٢٩١
بالرحمة والعلم، وفي عمومهما، وتقديم الرحمة ؛ لأنها السابقة والمقصودة هنا، ﴿فاغفرْ للذين تابوا﴾ أي : للذين علمتَ منهم التوبة، ليُناسب ذكر الرحمة، ﴿واتَّبعُوا سبيلَك﴾ أي : طريق الهُدى التي دعوت إليها. والفاء لترتيب الدعاء على ما قبلها من سعة الرحمة والعلم، ﴿وَقِهِم عذاب الجحيم﴾ أي : احفظهم منه، وهو تصريح بعد إشعار ؛ للتأكيد.


الصفحة التالية
Icon