يقول الحق جلّ جلاله :﴿هو الذي يُريكم آياته﴾ الدالة على كبريائه، وكمال قدرته، من الرياح، والسحاب، والرعد، والبرق، والصواعق، وغير ذلك، لتستدلوا على ذلك، وتعملوا بموجبها، فتُوحدوه تعالى، وتخصُّوه بالعبادة، ﴿ويُنزّل لكم من السماء رزقاً﴾ ؛ مطراً ؛ لأنه سبب الرزق. وأفرده بالذكر مع كونه مِن جملة الآيات ؛ لتفرُّده بكونه من آثار رحمته، وجلائل نِعَمه الموجبة للشكر ؛ إذ به قوام الحيوانات بأسرها. وصيغة المضارع في الفعلين ؛ للدلالة على تجدُّد الإراءة والتنزيل، واستمرارهما. ﴿وما يتذكَّرُ إِلا مَن يُنيب﴾ أي : وما يتعظ ويعتبر بهذه الآيات الباهرة، ويعمل بمقتضاها إلا مَن يتوب ويرجع عن غيّه إلى الله تعالى، فيتفكّر فيما أودعه في تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة، ونِعَمه الشاملة. وأما المعاند فلا يتعظ ولا يعتبر ؛ لسفح الران على قلبه.
وإذا كان الأمر كما ذكرنا، من اختصاص التذكير بمَن ينيب، ﴿فادْعُوا الله﴾، أو : تقول : لَمَّا ذكر أحوال المشركين، وأراد أن يشفع بأضدادهم، جعل قوله :﴿هو الذي يُريكم آياته...﴾ الخ، توطئة لقوله :﴿فادعوا الله﴾ أي : اعبدوه ﴿مخلِصين له الدين﴾ من الشرك الجلي والخفي، بموجب إنابتكم إليه تعالى وإيمانكم، ﴿ولو كَرِه الكافرون﴾ ؛ وإن غاظ ذلك أعداءكم، ممن لم يتب مثلكم، فإن الله يُكرم مثواكم، ويرفع درجاتكم، فإنه ﴿رفيعُ الدرجات﴾ أي : رافع درجات أوليائه المؤمنين، الداعين إليه، المخلصين في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالعز والنصر، وفي الآخرة بالقُرب والاختصاص، أو : رفيع السموات التي هي مصاعد الملائكة، ومهابطها، للسفارة بين المرسِل والمرسَل إليه، وهو كالمقدمة لقوله :﴿يُلقي الروح...﴾ الخ. هذا على أنه اسم فاعل، مبالغة، وقيل : هو صفة مشبهة أُضيفت إلى فاعلها، أي : رفيعٌ درجاتُه بالعلو والقهرية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٥