ذو العرش} أي : مالكه، وهما خبران آخران عن ﴿هو الذي...﴾ الخ، إيذاناً بعلو شأنه، وعِظم سلطانه، الموجبين لتخصيص العبادة به، وإخلاص الدين له بطريق الاستشهاد بهما عليهما ؛ فإنَّ ارتفاع الدرجات والاستيلاء على العرش ـ مع كون العرش محيطاً بأكناف العالم العلوي والسفلي، وهو تحت ملكوته وقبضة قهره مما يقضي بكون علو شأنه وعظيم سلطانه ـ في غاية لا غاية ورائها. قاله أبو السعود.
٢٩٥
ثم ذكر سبب رفع الدرجات بقوله :﴿يُلقي الروح﴾ أي : ينزل الوحي، الجاري من القلوب بمنزلة الروح من الأجسام، وكأنه لَمَّا ذكر رزق الأجسام أتبعه برزق الأرواح، الذي هو العلم بالله، وطريقُه الوحي. والتعبير بالمضارع، قال الطيبي : يفيد استمرار الحي من لدن آدم إلى زمن سيدنا محمد ﷺ، ثم اتصاله إلى قيام يوم التنادي، بإقامة مَن يقوم بالدعوة، على ما روى أبو داود، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال :" إِنَّ اللهَ سَيَبْعَثُ لهذه الأمة على رأسِ كلِّ مائةِ سنَة مَن يُجَدِّدُ لها دِينَها " ومعنى التجديد : إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُنَّة، والأمر بمقتضاهما. هـ.
قلت : وقد رزتُ شيخنا البوزيدي رضي الله عنه مرة، فلما وقع بصره عليّ، قال : واللهِ، حتى يُحْيي الله بك الدين المحمدي. وكتب لي شيخ الجماعة، وقطب دائرة التربية، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه، فقال في آخر كتابه : وأرجو من الله ألا تموت حتى تكون داعياً إلى الله، تُذكّر أهل المشرق والمغرب. أو ما هذا معناه، وقد وقع ذلك، والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon