وقوله :﴿مِنْ أَمره﴾ أي : من قضائه، أو : بأمره، فيجوز أن يكون حالاً من الروح، أو متعلقاً بـ (يُلقِي) أي : يُلقِي الروح حال كونه ناشئاً، أو : مبتدئاً من أمره، أو : يُلقي الوحي بسبب أمره ﴿على مَن يشاءُ من عباده﴾ هو الذي اصطفاه لرسالته، وتبليغ أحكامه إلى عباده، ﴿ليُنذر﴾ أي : الله، أو : المُلْقَى عليه، وهو النبي عليه السلام، ويؤيده قراءة يعقوب بالخطاب، أي : لتخوُّف ﴿يومَ التلاقِ﴾ ؛ يوم القيامة ؛ لأنه يتلاقى فيه أهل السموات وأهل الأرض، والأولون والآخرون، و (يوم) : ظرف للمفعول الثاني، أي : ليُنذر الناسَ العذابَ يوم التلاق، أو : مفعول ثان ليُنذر، فإنه من شدة هوله وفظاعته حقيق بالإنذار.
﴿يوم هم بارزون﴾ : بدل من " يوم التلاق " أي : خارجون من قبورهم، أو : ظاهرون، لا يستترون بشيء من جبل أو أكمة أو بناء ؛ لكون الأرض يومئذ قاعاً صفصفاً، ولا عليهم ثياب، إنما هم حفاةٌ عراةٌ، كما في الحديث. أو : بارزة نفوسهم لا يحجبها غواش الأبدان، أو : بارزة أعمالهم وسرائرهم، ﴿لا يخفى على الله منهم شيءٌ﴾ من أعمالهم وأحوالهم، الجلية والخفية، السابقة واللاحقة، وهو استئناف لبيان بُروزهم، وإزاحة لِما كان يتوهمه المتوهمون في الدنيا من الاستتار توهماً باطلاً، فإذا برزوا وحُشروا، نادى الحق ـ جلّ جلاله :﴿لمَن الملكُ اليومَ﴾ ؟ فلا يجيبه أحد، ثم يعود ثلاثاً، فيجيب نفسه بنفسه بقوله :﴿لله الواحدِ القهارِ﴾ أي : الذي قهر العباد بالموت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٥
رُوي أن الله تعالى يجمع الخلائق في صعيد واحد، في أرض بيضاء، كأنها سبيكة
٢٩٦
فضة، لم يُعصَ الله عليها قط، فأول ما يُتكلم به أن يُنادي مناد : لِمن المُلكُ اليوم ؟ فيجيب نفسه :" لله الوحد القهّار ". وقيل : المجيب أهلُ المحشر، ورُوي أيضاً : أن هذا القول يقوله الحق تعالى عند فناء الخلق وقبل البعث، ولعله يقال مرتين.


الصفحة التالية
Icon