يقول الحق جلّ جلاله :﴿وأنذِرْهُم يوم الأَزفةِ﴾ أي : القيامة، سُميت بها لأزوفها، أي : قُربها. فالأُزوف والازدلاف هو القرب، غير أن فيه إشعاراً بضيق الوقت، أو الخطة الأزفة، وهي مشارفة أهل النار لدخولها، ثم أبدل من يوم الآزفة قوله :﴿إِذِ القلوبُ لدى الحناجر﴾ أي : التراقي، يعني : ترتفع قلوبُهم عن مقارّها، فتلتصق بحناجرهم من الرعب، فلا هي تخرج فيموتوا فيستريحوا، ولا ترجع إلى مقارها فيتروّحوا. حال كونهم ﴿كاظمين﴾ ؛ ممسكين الغيظ بحناجرهم، أو : ممسكين قلوبهم بحناجرهم، يرومون ردها لئلا تخرج، فهو حال من القلوب، وجمعت جمع السلامة لوصفها بالكظم، وهو من أوصاف العقلاء، أو : من أصحاب القلوب ؛ إذ الأصل : قلوبهم، أو : من ضميرها في الظرف، ﴿ما للظالمين من حميمٍ﴾ أي : قريب مشفق ﴿ولا شفيعٍ يُطاع﴾ أي : ولا شفيع تُقبل شفاعته، فالمراد : نفي الشفاعة والطاعة، كقول الشاعر :
وَلاَ تَرَى الضّبَّ فيها يَنْجَحِرْ
يريد به : نفي الضب وانجحاره. وكقول الآخر :
٢٩٨
عَلَى لاحِبٍ لا يُهتدَى بِمَنَارِه
وإن احتمل اللفظ نفي الطاعة دون الشفاعة. فعن الحسن البصري :" والله ما يكون لهم شفيع ألْبتة ". ووضع " الظالمين " موضع الضمير ؛ للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم به.


الصفحة التالية
Icon