وقال فرعونُ} لملئه :﴿ذروني أقتلْ موسى﴾، وكان ملَؤه إذا همَّ بقتله كفّوه، وقالوا : ليس بالذي تخافه، وهو أقل من ذلك، وما هو إلا ساحر، وإذا قتلتَه أدخلتَ شبهة على الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر من دهاء اللعين ونكارته أنه قد استيقن أنه نبيّ، وأن ما جاء به آيات باهرة، وما هو بسحر، ولكن كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجَل بالهلاك، وكان قوله تمويهاً على قومه، وإيهاماً أنهم هم الكافُّون عن قتله، ولولاهم لقتله، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من الفزع الهائل. وقوله :﴿وليَدْعُ رَبَّه﴾ تجلُّد منه وإظهار لعدم المبالاة بدعائه، ولكنه أخوف ما يخافه.
ثم قال :﴿إِني أخافُ﴾ إن لم أقتله ﴿أن يُبدِّلَ دينَكُم﴾ أي : بغير ما أنتم عليه من الدين، وهو عبادتهم له وللأصنام ؛ لتقربهم إليه، ﴿أو أن يُظْهِر في الأرض الفسادَ﴾ أي : ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية. والحاصل :
٣٠٢
أنه قال : أخاف أن يُفسد عليكم دينكم، بدعوته إلى دينه، أو : يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من التقاتل والتهارج، الذي يذهب معه الأمن، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش.
﴿وقال موسى﴾ لَمَّا سَمِعَ ما أجراه من الحديث في قتله لقومه :﴿إِني عُذْتُ بربي وربِّكُم من كل متكبرٍ لا يؤمن بيوم الحساب﴾، صدّر عليه السلام كلامَه بإنَّ ؛ تأكيداً له، وإظهاراً لمزية الاعتناء بمضمونه، وفرط الرغبة، وخصّ اسم الرب المنبىء عن الحفظ والتربية ؛ إذ بهما يقع الحفظ.


الصفحة التالية
Icon