جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٣
ثم قال :﴿يا قوم لكم الملكُ اليومَ﴾ حال كونكم ﴿ظاهرين﴾ ؛ غالبين عالين على بني إسرائيل ﴿في الأرض﴾ ؛ أرض مصر، لا يقاومكم أحد في هذا الوقت، ﴿فمَن ينصُرنا من بأس الله إِن جاءنا﴾ يعني : إن لكم اليوم مُلك مصر، وقد علوتم الناس، وقهرتموهم، فلا تُسرفوا على أنفسكم، ولا تتعرّضوا لبأس الله، أي : عذابه ؛ فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم، ولا يمنعكم منه أحد. وإنما نسب ما يُسرهم من المُلك والظهور في الأرض إليهم خاصة، ونظم نفسه فيما يسوؤهم، من مجيء بأس الله تعالى، إمحاضاً للنصح، وإيذاناً بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه.
﴿قال فرعونُ﴾ بعدما سمع نصحه لقومه :﴿ما أُرِيكُم﴾ أي : ما أُشير عليكم ﴿إِلا ما أرى﴾ وأستصوبه من قتل موسى، يعني : لا أستصوب إلا قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب، ﴿وما أَهديكم﴾ بهذا الرأي ﴿إِلا سبيل الرشاد﴾ أي : الصواب، ولا أعلنكم إلا ما
٣٠٤
أعلم، ولا أُسِرُّ عنكم شيئاً خلاف ما أُظهِر، يعني : أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب اللعين، فقد كان مضمراً للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام، ولكنه كان يتجلَّد، ولولا استشعاره للخوف لم يستشر أحداً في قتله، وقد كان سفَّاكاً جبّاراً، فما منعه إلا خوف الهلاك إن مدّ يده إليه، والله تعالى أعلم.
الإشارة : قال القشيري : قد نصح وأبلغ مؤمنٌ آل فرعون، واحتجَّ عليهم، فلم ينجعْ فيهم قوله، وأعاد عليهم نصحه فلم يسمعوا، وكان كما قيل :
وَكَمْ سُقْتُ في آثارِكُم مِن نَصيحةٍ
وَقَدْ يَستفيدُ البغْضَةَ الْمُسْتَنْصِحُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٣


الصفحة التالية
Icon