يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقال الذي آمن﴾ مخاطباً قومه :﴿يا قوم إِني أخافُ عليكم﴾ في تكذيب موسى، والتعرُّض له بسوء، ﴿مثلَ يومِ الأحزاب﴾ أي : مثل أيام الأمم الماضية المتحزبة على رسلها، يعني وقائعهم. وجمْعُ الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم، أي : بالإضافة، وفسره بقوله :
﴿مثلَ دأبِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ والذين من بعدهم﴾ ؛ كقوم لوط وشعيب، لم يُلْبَسْ أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دَمَار، فاقتصر على الواحد من الجمع. ودأب هؤلاء : دؤوبهم في عملهم من الكفر، والتكذيب، وسائر المعاصي، حتى دمَّرهم الله. ولا بد من حذف مضاف، أي : مثل جزاء دأبهم ـ وهو الهلاك. و (مثل) الثاني : عطف بيان لمثل الأولى. ﴿وما الله يريد ظلماً للعباد﴾ ؛ فلا يُعاقبهم بغير ذنب، أو : يزيد على ما يستحقونه من العذاب، يعني أن تدميرهم كان عدلاً ؛ لأنهم استحقوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله :﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت : ٤٦] ؛ حيث جعل المنفي إرادة الظلم مُنْكَراً، وإذا بعُد عن إرادة ظُلم مَا لعباده ؛ كان عن الظلم مُنْكَراً، وإذا بعُد عن إرادة ظُلمٍ مَا لعباده ؛ كان عن الظلم أبعد وأبعد. وتفسير المعتزلة : بأنه لا يريدُ لهم أن يظلموا، بعيد ؛ لأن أهل اللغة قالوا : إذا قال الرجل لآخر : لا أريد ظلماً لك، معناه : لا أريد أن أظلمك، وهذا تخويفٌ بعذاب الدنيا. ثم خوَّفهم من عذاب الآخرة بقوله :
﴿ويا قومِ إِني أخاف عليكم يوم التَّنَادِ﴾ أي : يوم القيامة ؛ لأنه ينادي فيه بعضُهم بعضاً للاستغاثة، ويتصايحون بالويل والثبور، وينادي أصحابُ النار أصحابَ الجنة،
٣٠٥


الصفحة التالية
Icon