وأصحابُ الأعراف رجالاً يعرفونهم، وعن الضحاك : إذا سمعوا زفير النار نَدُّوا هرباً، فلا يأتون قُطراً من الأقطار، إلا وجدوا ملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى مكانهم، فبينما هم يموج بعضهم في بعض، إذ سمعوا منادياً : أقبلوا إلى الحسابِ. أو : ينادي مناد عند الميزان : ألا إن فلاناً بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ألاَ إِن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً. قال ابن عطية : المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، وذلك كثير. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٥
ثم أبدل من يوم التناد : قوله :﴿يوم تُولُّون مدْبرين﴾ أي : منصرفين عن القوم إلى النار، أو : فارِّين منها غير معاجزين، ﴿ما لكم من الله من عاصم﴾ يعصمكم من عذابه، ولمَّا أيس من قبولهم قال :﴿ومَن يُضلل الله فما له من هادٍ﴾ يهديه إلى طريق النجاة.
الإشارة : ينبغي للواعظ والمُذكِّر إذا ذكَّر العصاة أن يُخوفهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، كما فعل مؤمن آل فرعون، أما عذاب الدنيا فما يلحق العاصي من الذُل والهوان عند الله، وعند عباده، وما يلحقه إن طال عمره من المسخ وأرذل العمر، فإِنَّ المعاصي في زمن الشباب تجر الوبال إلى زمن الهرم، كما أن الطاعة في حال الشباب تجر الحفظ والرعاية إلى حال الكِبَر، وأما عذاب الآخرة فمعلوم، ثم يحضّ على التوبة والإقلاع، فإنَّ التائب الناصح مُلحَق بالطائع، فلا يلحقه شيء من ذلك. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٥
قلت :﴿الذين يُجادلون﴾ : بدل مِن ﴿مَن هو﴾ وإنما جمع ؛ لأنه لم يرد مسرفاً واحداً، بل كل مسرف.


الصفحة التالية
Icon