ثم فسّره فقال :﴿الذين يُجادِلون في آيات الله﴾ بالرد والإبطال ﴿بغير سلطانٍ﴾ ؛ بغير حجة واضحة، تصلح للتمسُّك بها في الجملة، ﴿أتاهم﴾ : صفة لسلطان، أي : بغير برهان جاءهم بصحة ذلك، ﴿كَبُرَ مقتاً﴾ أي : عَظُمَ بُغضاً ﴿عند الله وعند الذين آمنوا﴾، وفيه ضرب من التعجُّب والاستعظام. وفي " كبُر " ضمير يعود على " مَنْ " وتذكيره باعتبار اللفظ. ﴿كذلك﴾ أي : مثل ذلك الطبع الفظيع ﴿يَطْبَعُ الله على كل قلب متكبر جبَّار﴾ فيصدر منه أمثال ما ذكر من الإسراف، والارتياب، والمجادلة بالباطل. ومَن قرأ بالتنوين فوصف لقلب، وإنما وصف بالتكبُّر والتجبُّر ؛ لأنه منبعهما، كما تقول : سَمِعَتِ الأذنُ، كقوله :﴿فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة : ٢٨٣] وإن كان الإثم للجملة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
الإشارة : يُقال لأهل كل عصر : ولقد جاءكم فلان ـ لوليِّ تقدم قبلهم ـ بالآيات الدالة على صحة ولايته، فما زلتم، أي : ما زال أسلافكم من أهل عصره ـ في شك منه، حتى إذا مات ظهرت ولايته، وأقررتم بها، وقلتم : لن يبعث الله من بعده وليّاً، وهذه عادة العامة، يُقرون الأموات من الأولياء، ويُنكرون الأحياء. وهي نزعة أهل الكفر والضلال كذلك يُضل الله مَن هو مسرف مرتاب، كالذين يُخاصمون في ثبوت الخصوصية عند أربابها، من غير برهان، وهو شأن المنكرين، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
٣٠٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقال فرعونُ﴾ تمويهاً على قومه، وجهلاً منه :﴿يا هامانِ﴾ وزيره ﴿ابنِ لي صَرْحاً﴾ أي : قصراً عالياً، وقيل : الصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بَعُد منه. يقال : صَرِح الشيءُ : إذا ظهر. ﴿لعلِّي أبلُغُ الأسبابَ﴾ أي : الطرق. ثم أبدل منها تفخيماً لشأنها، وإظهاراً أنه يقصد أمراً عظيماً :


الصفحة التالية
Icon