الإشارة : ما ظهر على فرعون هو من طغيان النفس وعتوها، فإنَّ النفس إذا اتصلت بها العوافي، وساعدتها أقدار الجمال في الظاهر، ادَّعت الربوبية، فإنَّ فرعون قيل : إنه عاش أربعمائة سنة، لم يتوجع فيها قط، فادّعى الربوبية، ولذا قال بعض الصوفية : في النفس خاصية ما ظهرت إلا على فرعون، حين قال : أنا ربكم الأعلى، فكان نزول الأقدار القهرية والبلايا على العبد، رحمة عظيمة، تتحقق بها العبودية، التي هي شرف العبد ورفعته. وبالله التوفيق.
٣٠٨
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقال الذي آمن﴾ أي : مؤمن آل فرعون :﴿يا قوم اتبعون﴾ فيما دللتكم عليه، ﴿أَهدِكُم سبيلَ الرشادِ﴾ أي : طريقاً يُوصل صاحبَه إلى المقصود. والرشاد : ضد الغيّ، وفيه تعريضٌ بأن ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغيّ والضلال.
﴿يا قوم إنما هذه الحياةُ الدنيا متاعٌ﴾ أي : تمتُّع يسير ؛ لسرعة زوالها، فالإخلاد إليها أصل الشر، ومنبع الفتن، ومنه يتشعّب فنون ما يؤدي إلى سخط الله. أَجْمل له أولاً، ثم فَسَّر، فاستفتح بذم الدنيا، وتصغير شأنها، ثم ثنَّى بتعظيم الآخرة، وبيَّن أنها هي الموطن والمستقر بقوله :﴿وإِنَّ الآخرةَ هي دارُ القرارِ﴾ ؛ لخلودها، ودوامها، ودوام ما فيها. قال ابن عرفة : التمتُّع بالدنيا مانع من الزهد، وكون الآخرة دار مستقر يقتضي وجود الحرص على أسباب الحصول فيها. هـ.


الصفحة التالية
Icon