وقوله تعالى :﴿فوقاه الله سيئاتِ ما مكروا﴾ هذه نتيجة التفويض، فكُلّ من فوّض أمره إلى الله فيما ينزل به، وقاه الله جميع المكاره، وكُلَّ ما يخشى ؛ إن قطع عن قلبه التعلُّق بغير الله، كما هو حقيقة التفويض. قال القشيري : أشدُّ العذاب على الكفار : يأسُهم عن الخروج، وأما العصاة من المؤمنين فأشدُّ عذابهم : إذا علموا أن هذا يومُ لقاءِ المؤمنين. هـ. أي : وهم قد حُرموا ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٠
٣١٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وإِذ يتحاجُّونَ في النار﴾ أي : واذكر لقومك وقت تخاصم الكفار في النار، ﴿فيقول الضعفاءُ﴾ منهم ﴿للذين استكبروا﴾ وهم رؤساؤهم :﴿إِنا كنا لكم تَبَعاً﴾، وهو جمع تابع، كخادم وخدَم، أو : ذوي تَبَع، على أنه مصدر، أو : وصف به للمبالغة، ﴿فهل أنتم مُغنونَ عنا نصيباً من النار﴾ أي : فهل أنتم دافعون، أو : حاملون عنا جزءاً من النار ؟ ﴿قال الذين استكبروا إِنَّا كلٌّ فيها﴾، التنوين عوض عن المضاف، أي : كلنا فيها، لا يُغني أحد عن أحد. وقرىء (كُلاًّ) بالنصب على التأكيد، وهو ضعيف لخلوه من الضمير. ﴿إِنَّ الله قد حَكَمَ بين العباد﴾ ؛ قضى بينهم، بأن أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، لا مرد له، ولا مُعقب لحُكمه، فلا يُغني أحد عن أحد شيئاً.
قال ابن عرفة : في الآية لف ونشر، فقوله تعالى :﴿إِنَّ كلٌّ فيها﴾ راجع لقوله :﴿إِنا كنا لكم تبعاً﴾ أي : إنا قد حصلنا جميعاً في النار، فَجُوزي كلٌّ على قدر عمله، أنتم على ضلالكم، ونحن على إضلالنا إياكم. وقوله :﴿إِن الله قد حكم بين العباد﴾ راجع لقوله :﴿فهل أنتم مُغنون عنا﴾ وبهذا المعنى يتقرر الجواب. هـ.


الصفحة التالية
Icon