﴿يوم لا ينفعُ الظالمين معذرتُهم﴾ : هو بدل من ﴿يوم يقوم﴾ أي : لا يقبل عذرهم، ومَن قرأ بالتأنيث فباعتبار لفظ المعذرة، ﴿ولهم اللعنةُ﴾ أي : البُعد من الرحمة، ﴿ولهم سوءُ الدار﴾ أي : سوء دار الآخرة، وهو عذابها.
الأشارة : كما نُصرت الرسل بعد الامتحان، نُصرت الأولياء بعد الامتحان والامتكان. قال الشاذلي رضي الله عنه : اللهم إنَّ القوم قد حكمت عليهم بالذُل ّ حتى عزوا.. إلخ. وهم داخلون في قوله :﴿والذين آمنوا في الحياة الدنيا﴾، ونصرتهم تكون أولاً بالظفر بنفوسهم، ثم بالغيبة عن حس الكائنات، باتساع دائرة المعاني، ثم بالتصرف في الوجود بأسره بهمته. قال القشيري : ويقال : ينصرهم على أعدائهم بلطف خفيّ، وكيد غير مرئيّ، من حيث يحتسب أو لا يحتسب، كما ينصرهم في الدنيا على تحقيق المعرفة،
٣١٤
واليقين بأنَّ الكائنات من الله. ثم قال : غاية النصرة أن يَقتُلَ الناصرُ عدوَّ مَنْ ينصره، فإذا رآه حقق له أنه لا عَدُو له في الحقيقة، وأنَّ الخلق أشباحٌ، وتجري عليهم أحكام القدرة، فالولِيُّ لا عدوَّ له ولا صديق، ليس له إلا الله. قال الله تعالى :﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [البقرة : ٢٥٧] هـ. والنصر في الحقيقة هو التأييد عند التعرفات، فإذا ابتلي الرسول أو الولي أيّده الله باليقين، ونصره بالمعرفة، فيلقي ما ينزل عليه بالرضا والتسليم، وتذكَّر ما لقي به الشاذلي حين دعا بالسلامة مما ابتلي به الرسل، متعللاً بأنهم أقوى، فقيل له : قل : وما أردتَ من شيء فأيِّدنا كما أيدتهم. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٤


الصفحة التالية
Icon