يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولقد آتينا موسى الهدى﴾ ؛ ما يهتدي به من المعجزات، أو الشرائع والصُحف. ﴿وأورثنا بني إِسرائيل الكتابَ﴾ أي : تركنا فيهم التوراة، يرثه بعضهم من بعض، أو : جنس الكتاب، فيصدق بالتوراة والإنجيل والزبور ؛ لأنَّ المنزَّل عليه منهم. قال الطيبي : فيه إشارة إلى أن ميراث الأنبياء ليس إلا العلم والكتاب الهادي، الناطق بالحكمة والموعظة. هـ. حال كون الكتاب ﴿هُدًى وذكرى﴾ أي : هادياً ومُذكِّراً، أو : إرشاداً وتذكرة ﴿لأولي الألبابِ﴾ ؛ لأولي العقول الصافية، العالِمين بما فيه، العاملين به.
﴿فاصبرْ إِنَّ وَعْدَ الله حقٌّ﴾ أي : فاصبر على ما يُجرّعك قومك من الغُصَص ﴿إِنَّ وعد الله﴾ بنصرك وإعلاء دينك، على ما نطق به قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات : ١٧١ _ ١٧٣]، ﴿حقٌّ﴾ لا يحتمل الاختلاف بحال. قال الطيبي : الآية تشير إلى نصره على أعدائه، كموسى، وأنه يظهر دينه على الدين كله، ويورث كتابه ؛ ليعتصموا به، فيكون لهم هُدًى وذكرى، وعزّاً وشرفاً. هـ. أي : ولذلك قدّم ذكر موسى على بشارته بالنصر ؛ ليتم التشبيه.
﴿واستغفر لذنبك﴾، تشريعاً لأمتك ؛ فإِنَّ الاستغفار يمحو الذنوب التي تعوق عن النصر، أو : تداركاً لِمَا فرط منك من ترك الأَوْلَى في بعض الأحايين، فإِنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين. والحاصل : أن كل مقام له ذنب يليق به، وهو التقصير في القيام به على ما يليق به، فالنبي ﷺ كُلف بدوام الشهود ولو في حال التعليم، فإذا غاب عن الحق لحظة
٣١٥