ثم وصف كِبْرَهم بقوله :﴿ما هم ببالغِيه﴾ أي : ما هم ببالغي موجب ذلك الكبر ومقتضاه، وهو ما أرادوه من التقدُّم والرئاسة، وقيل : نزلت في اليهود، وهم المجادلون، كانوا يقولون : لست صاحبنا المذكور في التوراة، بل هو المسيح ابن داود، يعنون الدجال، يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله، فيرجع إلينا المُلك فسمى الله تمنيهم بذلك كِبْراً، ونفى أن يبلغوا متمناهم. ﴿فاستعذ بالله﴾ ؛ فالتجىء إليه من كبد مَن يحسدك، ويبغي عليك، ﴿إِنه هو السميعُ﴾ لِمَا تقول ويقولون، ﴿البصير﴾ بما تعمل ويعملون، فهو ناصرك عليهم، وعاصمك من شرهم.
الإشارة : فاصبر أيها المتوجه إلى الله، إنَّ وعد الله بالفتح حق إن صبرت، وكابدت ولم تملّ، واستغفر لذنبك، وتطهرْ من عيبك، لتدخل حضرة ربك. قال الورتجبي :" واستغفر لذنبك " أي : لما جرى على قلبك من الأحكام البشرية، وأيضاً : استغفر لرؤية وجودك في وجود الحق، فإنَّ كون الحادث في وجود القديم ذنب في إفراد القدم من الحدوث. انظر تمامه.
وقوله تعالى :﴿وسبّح...﴾ الخ، فيه الحث على التوجُّه إلى الله في هذين الوقتين، فإن العبرة بالافتتاح والاختتام، فمَن فتح يومه بخير، وختمه بخير، حكم على بينهما. وقال في أهل الإنكار :﴿إِن الذين يُجادلون في آيات الله...﴾ الآية، فاستعذ بالله منهم، وغِبْ عنهم بإقبالك على مولاك. وبالله التوفيق.
٣١٦
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٥
يقول الحق جلّ جلاله :﴿لَخلقُ السماوات والأرض أكبرُ من خلقِ الناسِ﴾، فمَن قدر على اختراع هذه الأجرام مع عظمها كان على اختراع الإنسان بعد موته ؛ وبعثه مع مهانته ؛ أقدر، ﴿ولكن أكثرَ الناس لا يعلمون﴾ ذلك ؛ لأنهم لا يتفكرون ؛ لغلبة الغفلة عليهم، وعمى بصيرتهم.


الصفحة التالية
Icon