جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿الله الذي جعلَ لكم الليلَ لتسكنوا فيه﴾ بأن خلقه مظلماً بارداً، تقلّ فيه الحركات فتستريح فيه الجوارح، ﴿و﴾ جعل ﴿النهارَ مبصراً﴾ أي : مبصَراً فيه. فأسند الإبصار إلى النهار، مجازاً، والأصل في الحقيقة لأهل النهار. وقرن الليل بالمفعول له، والنهار بالحال، ولم يكونا حالين أو مفعولاً لهما ؛ رعايةً لحق المقابلة، لأنهما متقابلان معنىً ؛ لأن الليل مقابل النهار، فلما تقابلا معنىً تقابلا لفظاً، مع أن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر، ولأنه لو قيل : لتُبصروا فيه ؛ فاتت الفصاحة التي في الإسناد مجازي، ولو قيل :" ساكناً " لم تتميز الحقيقة من المجاز، إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم : ليل ساج، أي : ساكن لا ريحَ فيه.
﴿إِنَّ الله لذو فضلٍ﴾ عظيم ﴿على الناس﴾، حيث تفضَّل عليهم بهذه النعم الجسيمة، وإنما لم يقل : المتفضل ؛ لأن المراد تكثير الفضل، وأنه فضله لا يوازيه فضل، فالتنكير للتعظيم. ﴿ولكنَّ أكثرَ الناس لا يشكرون﴾ ؛ لجهلهم بالمنعم، وإغفالهم مواضع النعم. وتكرير الناس، ولم يقل : أكثرهم ؛ لتخصيص الكفران بهم، وأنهم هم الذين من شأنهم الكفران، كقوله :﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ﴾ [الحج : ٦٦].
﴿ذلكمُ الله﴾ أي : ذلكم المنفرد بالأفعال المقتضية للألوهية، من خلق الليل والنهار ؛ هو الله ﴿ربكُم﴾ لا ربّاً غيره، ﴿خالقُ كل شيء لا إِله إِلا هو﴾ أخبار مترادفة، أي : الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية، وإيجاد الأشياء، والوحدانية، ﴿فأنَّى تُؤفكون﴾ أي : فكيف، ومِن أيّ وجه تُصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان ؟ ! ﴿كذلك يُؤفك الذين كانوا بآياتِ الله يجحدون﴾ أي : مثل ذلك الإفك العجيب، الذي لا وجه له، ولا مصحح له أصلاً، يُؤفك كلُّ مَن جحد بآياته تعالى من غير تروٍّ ولا تأمُّل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٩