الإشارة : الله هو الذي جعل ليل القبض لتسْكنوا فيه عند الله، ونهار البسط لتُبصروا نعم الله، فتشكروا لتبتغوا زيادة فضله، وجعل أرض النفوس قراراً لقيام وظائف العبودية، وسماء الأرواح مرقى لشهود عظمة الربوبية. قال القشيري : سكونُ الناس بالليل ـ أي : الحسي ـ على أقسام : فأهل الغفلة يسكنون مع غفلتهم، وأهل المحبة يسكنون بحكم وصلتهم، فشتّان بين سكون غفلةٍ، وسكونِ وصلة، وقومٌ يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم، وقومٌ إلى حلاوة أعمالهم، وبسطهم، واستقبالهم، وقومٌ يعدِمون القرار في ليلهم ونهارهم ـ أي : لا يسكنون إلى شيء ـ أولئك أصحابُ الاشتياق، أبداً في الإحراق هـ.
وقوله تعالى :﴿وصَوَّرَكُم﴾ أي : صَوَّر أشباحكم، فأحسن صورتها، حيث بهَّجها بأنوار معرفته. قال الورتجبي : فأحْسن صُوَرَكم بأن ألبستكم أنوار جلالي وجمالي، واتخاذِكم بنفسي، ونفخت من روحي فيكم، الذي أحسن الهياكل مِن حسنه، ومِن عكْس جماله، فإنه مرآة نوري الجلي للأشباح. هـ. قال القشيري : خَلَقَ العرشَ والكرسي والسمواتِ والأرض، وجميع المخلوقات، ولم يقل في شيء منها : فأحسن صورها، بل قاله لمّا خلق هذا الإنسان، وليس الحَسَنَ ما يستحسنه الناسُ، ولكن الحسنُ ما يستحسنه الحبيبُ، وأنشدوا :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٩
مَا حَطَّكَ الْوَاشُونَ عَن رُتبةٍ
عنْدِي، ولاَ ضَرَّكَ مُغْتَابُ>> كأَنَّهم أَثْنَوْا ولَمْ يَعْلَمُوا
عَلَيْكَ عِنْدِيَ بِالَّذِي عَابوا
لم يَقُلْ للشمس في عُلاها، ولا للأقمار في ضيائها :(فأَحسنَ صُوَرَكم) ولما انتهى إلينا قال :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين : ٤]. ثم قال : وكما أحسن صُوركم محى من ديوانكم الزلاّت، وأثبت الحسنات، قال الله تعالى :﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وُيُثْبِتُ﴾ [الرعد : ٣٩] هـ.
٣٢٠


الصفحة التالية
Icon