قوله تعالى :﴿ورزقكم من الطيبات﴾ لذيذ المشاهدة، وأنس الوصلة. وقوله تعالى :﴿هو الحي﴾ الحياة عند المتكلمين لا تتعلق بشيء، وعند الصوفية تتعلق بالأشياء ؛ إذ لا قيام لها إلا بأسرار معاني ذاته، ومَن تحققت حياته من الأولياء بحياة الله، بحيث كان له نور يمشي به في الناس، كان كل مَن لقيه حييت روحه بمعرفة الله، ولذلك يضم الشيخُ المريدَ إليه، إن رآه لم ينهض حاله، ليسري حاله فيه، يأخذون ذلك من ضم جبريل للنبي عليهما السلام. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قُل إِني نُهيتُ أن أعبدَ الذين تدعونَ﴾ أي : تعبدون ﴿من دون الله﴾ ولم يكن عَبَدَها قط، ﴿لَمَّا جاءنيَ البيناتُ من ربي﴾ ؛ من الحُجَج العقلية، والآيات التنزيلية.
قال الطيبي : معرفة الله تعالى ووحدانيته معلومتان بالعقل، وقد ترد الأدلة العقلية في مضمون السمعية، أما وجوب عبادة الله، وتحريم عبادة الأصنام، فحُكْمٌ شرعي ؛ لقوله :﴿قل إني نُهيت﴾ أي : حَرُم عليّ، وهذا إنما يتحقق بعد البعثة، خلافاً للمعتزلة في الإيجاب قبل الشرع، للتحسين والتقبيح، والمعنى : أن قضية التقليد تُوجب ما أنتم عليه، ولكني خُصصت بأمر دونكم، كما قال إبراهيم :﴿يَآ أَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ...﴾ [مريم : ٤٣] إلخ كلامه، ﴿وأُمرت أن أُسْلِمَ﴾، أن أنقاد وأُخلص ديني ﴿لربِّ العالمين﴾.