﴿هو الذي خلقكم من ترابٍ﴾ أي : أصلكم، وأنتم في ضمنه، ﴿ثم من نطفةٍ﴾ أي : ثم خلقكم خلقاً تفصيليّاً من نطفة تُمنى، ﴿ثم من علقةٍ، ثم يُخرجكم طفلاً﴾ أي : أطفالاً، واقتصر على الواحدة ؛ لأن المرادَ الجنس، ﴿ثم لتبلغوا أشُدَّكم﴾ : متعلق بمحذوف، أي : ثم يُبقيكم لتبلغوا أشدَّكم، وكذلك ﴿ثم لتكونوا شُيوخاً﴾، وقيل : عطف على محذوف، عِلة ليُخرجكم، فـ " يخرجكم " من عطف علة على أخرى، كأنه قيل : ثم يخرجكم طفلاً لتكبروا شيئاً فشيئاً، ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل، ثم لتكونوا شيوخاً، بكسر الشين وضمها جمع شيخ، وقرىء " شيخاً " كقوله :" طفلاً ".
٣٢١
﴿ومنكم مَن يُتوفى من قبلُ﴾ عبارة تجري في الأدراج المذكورة، فمِن الناس مَن يموت قبل أن يُخرج طفلاً، وآخرون قبل الأشدّ، وآخرون قبل الشيخوخة. ﴿ولتبلغوا أجلاً مسمى﴾ أي : وفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مُسمى، أي : ليبلغ كل واحد منكم أجلاً مسمى لا يتعداه، وهو أجل موته، ﴿ولعلكم تعقلون﴾ ؛ ولكي تعقلوا ما في ذلك من العِبَر، والحجج، وفنون الحِكَم ؛ فإنَّ ذلك التدريج البديع يقضي بالقدر السابق، ونفوذ القدرة القاهرة ؛ لبُعد ذلك التفاوت، والاختلاف العظيم، عن الطبيعة والعلة، وإنما موجب ذلك سبق الاختيار والمشيئة الأزلية، ولذلك عقّبه بقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢١