﴿فلما جاءتهم رُسلهم بالبيناتِ﴾ ؛ بالمعجزات الواضحة، ﴿فرحوا بما عندهم من العلم﴾ يريد علمهم بأمور الدنيا، ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال :﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الأَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم : ٧]، فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانة، والتأهُّب ليوم القيامة، وهي أبعد شيء من علمهم ؛ لبعثِها على رفض الدنيا، والتباعد عن تتبع ملاذها، لم يلتفتوا إليها، وصغّروها، واستهزؤوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفؤاد من علمهم، ففرحوا به. أو : علم التنجيم والفلسفة، والدهريّين ؛ فإنهم كانوا إذا سمعوا بالوحي دفعوه، وصغّروا علم الأنبياء إلى علمهم، واعتقدوا عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ولما سمع بقراط بموسى عليه السلام قيل له : لو هاجرت إليه! فقال : نحن قوم مهذَّبون، فلا حاجة إلى مَن يُهذّبنا.
ورأى بعضُ الصالحين النبيَّ ﷺ فسأله عن ابن سيرين، فقال له :" إِنه أراد أن يصل إلى الله بلا واسطة، فانقطع عن الله " وعلى فرض وقوفهم بالتجريد والرياضة على انكشاف حضرة القدس، فلا يظفرون بالعبودية، ولا بالفناء في توحيد الربوبية، والتخلُّص من لَوَث وجودهم، والشأن أن تكون عين الاسم، لا أن تعرف الاسم والعين، إنما تقتبس من مشكاة مهبط الوحي، وانصباب أنوار الغيب إنما تفيض بواسطة دُرة الوجود، نبينا ﷺ، ومظهر سر العيان الأحدي الأحمدي، فافهم. قاله شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن الفاسي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٦
قال تعالى :﴿وحاقَ بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ أي : نزل بهم عقوبة استخفافهم بالحق، وتعظيمهم واغتباطهم بالباطل. ﴿فلما رأوا بأسَنا﴾ ؛ شدة عذابنا، ومنه :﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف : ١٦٥]، ﴿قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين﴾ يعنون الأصنام.


الصفحة التالية
Icon