﴿وجعل فيها رواسي﴾ ؛ جبالاً ثوابت كائنة ﴿من فوقها﴾، وإنما اختار إرساءها من فوق الأرض لتكون منافع الجبال مُعرَضة لأهلها، ويظهر للناظرين ما فيها من مراصد الاعبتار، ومطارح الأفكار، فإن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها ممسَكة بقدرة الله عزّ وجل. ﴿وباركَ فيها﴾ أي : قدّر بأن يكثر خيرها بما يخلق فيها من منافع، ويجعل فيها من المصالح، وما ينبت فيها من الطيبات والأطعمة وأصناف النعم. ﴿وقدّر فيها أقواتَها﴾ أي : حكم أن يوجد فيها لأهلها ما يحتاجون إليه من الأقوات المختلفة المناسبة لهم على مقدار مُعين، تقتضيه الحكمة والمشيئة، وما يصلح بمعايشهم من الثمار والأنهار والأشجار، وجعل الأقوات مختلفة في الطعم والصورة والمقدار، وقيل : خصابها التي قسمها في البلاد. جعل ذلك ﴿في أربعةِ أيام﴾ أي : تتمة أربعة أيام، يومين للخلق، ويومين لتقدير الأقوات، كما تقول : سِرت إلى البصرة في عشرة، وإلى الكوفة في خمسة عشر، أي : في تتمة خمسة عشر، ولو أجري الكلام على ظاهرة لكانت ثمانية أيام ؛ يومين للخلق ؛ وأربعة للتقدير، ويومين لخلق السماء، وهو مناقض لقوله :﴿فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الأعراف : ٥٤].
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣١
وقوله :﴿سواء﴾ راجع للأربعة، أي : في أربعة أيام مستويات تامات، أو : استوت سواء ﴿للسائلين﴾ أي : قدَّر فيها الأقوات للطالبين لها والمحتاجين إليها، لأن كلاًّ يطلب القوت ويسأله، أو هذا الحصر في هذه الأيام لأجل مَن سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها ؟